*- شبوة برس - حافظ الشجيفي
ليس من العقل، ولا من المنطق في شيء، أن ترفع أمة راية الاحتفاء بذكرى تأسيس جيش أصبح من مخلفات الماضي، واستحال إلى مجرد صفحة من صفحات التاريخ، أُغلقت بزوال الدولة التي أنشأته وارتبط مصيره بمصيرها. لان الاحتفال بذكرى تأسيس جيش لم يعد له وجود مادي ولا معنوي، ومضى على زواله أكثر من ثلاثة عقود، هو ضرب من العبث الوجداني والانشغال بالشكل عن الجوهر، وبالرمز عن المضمون.
إن جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الذي تأسس في زمن كان للثورات معنى، وللبناء الوطني هيبة، لم ينتهي في ساحات الوغى، ولم يندحر في ميادين القتال. فقد كان جيشاً ضارباً، خاض معارك مصيرية وخرج منها منتصراً، يحمل راية الدفاع عن سيادة أرضه وكرامة شعبه. لكن نهايته جاءت دراماتيكية، بل ومأساوية إلى حد السخف، حينما دُفن حياً، ليس تحت ركام هزيمة عسكرية، بل تحت أنقاض قرار سياسي طائش، لم يُشهد له التاريخ مثيل في تفريط الشعوب بمكاسبها ودعائمها الوطنية.
حيث سيق هذا الجيش، بقواته وعتاده ومؤسساته، إلى مقبرة ماسمي يومها بالوحدة اليمنية، على يد قيادة سياسية لم تدرك مغزى المسؤولية التاريخية، وتلاعبت بمصير شعب ودولة بكل ما تحمله من مقومات القوة والنظام والمدنية والحضور الإقليمي والدولي. حيث قدّم "الرفاق" آنذاك، هذا الكيان العسكري الوطني القوي، فريسة هامدة على طبق من ذهب لأعداء الأمس واليوم، فكانت الوحدة بالنسبة له نهاية، وليس بداية، ومحوا لهويته وليس اندماجًا فيها.
ومن هنا، فإن إحياء هذه الذكرى اليوم، بهذا الشكل الاحتفالي المجرد، لم يعد مجدياً ولا نافعاً. لانه يغذي الحنين إلى ماضٍ لن يعود، ويشغل الشعب بعبء الذكرى عن أعباء المعركة الحالية. فما انتهى إلى غير رجعة لا معنى للاحتفال ببدايته. والأجدى من استدعاء شبح جيش قديم، هو الشروع في بناء جيش جديد، يعيد إنتاج قيم الجيش القديم وانضباطه وكفاءته، لكن في إطار دولة جنوبية مستقلة ذات سيادة، تكون وعاءً حقيقياً لهذه المؤسسة الوطنية الضاربة.
فالحكمة تقتضي أن نتحول من مرحلة البكاء على الأطلال إلى مرحلة تشييد البناء. وبدلاً من استهلاك الطاقات في احتفالات بذكرى تأسيس جيش لم يعد له اثر، يجب تركيز الجهود نحو هدف واحد واضح وهو استعادة الدولة الجنوبية المستقلة. وعندما تتحقق هذه الغاية الوطنية العظيمة، ويستقل الجنوب ويبني جيشه الوطني الجديد، الأقوى والأكثر تحدياً، عندها فقط يصبح من المنطقي والضروري أن نحتفي بذكرى التأسيس الأولى، ليس كمناسبة حزينة لانتهاء، بل كإرث تاريخي نعتز به، وكدرس نستلهم منه العبر لبناء مستقبل لا يُتاح فيه لأحد أن يفرط مرة أخرى في دماء الشهداء ومقدسات الشعب والوطن.
فليكن شعارنا اليوم: من أجل استقلال الجنوب، ونحو بناء جيشه الوطني الجديد. عندها، سنحتفي جميعاً، ليس بتأسيس جيش انتهى، بل بولادة جيش لن ينتهي، لأنه سيكون ابن دولة مستقلة، وضمانة لبقائها.