*- شبوة برس – ناصر العبيدي
نحن اليوم أمام لحظة مفصلية في تاريخ الجنوب، لحظة تتطلب منّا وضوحاً في الرؤية وجرأة في اتخاذ المواقف. فإما أن نكون أو لا نكون، وهذا الخيار لا يحتمل التأجيل أو المراوغة.
الحوثيون ليس لديهم مصالح في الجنوب، ورغم ذلك لم يتمكنوا من السيطرة على الموارد الاقتصادية والمالية أو توسيع نفوذهم السياسي أو تأمين مواقع استراتيجية لتعزيز موقفهم العسكري بسبب عدم تواجدهم الفعلي في الجنوب لأسباب متعددة.
أولاً، يفتقر الحوثيون إلى حاضنة شعبية قوية في الجنوب بسبب:
- التاريخ السياسي والصراعات السابقة بين الشمال والجنوب التي أثرت على العلاقات.
- الاختلافات المذهبية والعقائدية والثقافية والاجتماعية بين الشمال والجنوب والتي أثرت على قبول الحوثيين في الجنوب.
- بمعنى أن بقاء الحوثي يحكم الشمال قد يكون مصلحة جنوبية وهو الحل الأمثل لتحقيق الاستقرار السياسي بين اليمن والجنوب العربي.
- ويفتح باب التفاوض والحوار بين الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي لتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في الجنوب واليمن ككل، مما يساعد في تقليل المخاطر وتحقيق التنمية في البلدين.
أما خطر الإصلاح والمؤتمر وأنصارهم على الجنوب، فنرى أن هناك خطراً حقيقياً على الجنوب ناتجاً عن فترة حكم نظام صالح والإصلاحي الماضي، وتكوين مجاميع جنوبية مغيبة العقول مع حزب الإصلاح وهم طابور خامس خطر على أمن الجنوب. وكذلك المؤتمر له أتباع جنوبيين انتفعوا خلال فترة سيطرته، بعكس الحوثيين الذين لا حاضنة ولا قبولاً شعبياً لهم، والحوثي سيكون القامع لشوكة الإصلاح والمؤتمر.
كذلك الإصلاح والمؤتمر ارتكبت دولتهم تلك الدولة العميقة بقيادة نظام علي عبد الله صالح، وبمساندة حلفائه من جماعة الإصلاح، جرائم فادحة بحق الجنوب في حربَي 1994 و2015، حيث تم القضاء على حلم الدولة الجنوبية المستقلة، وتحويل الجنوب من شريك في الوحدة إلى تابع أو "أرض محتلة"، تم التعامل معها بعقلية الغلبة والضم القسري، وكأنها غنيمة حرب لا أكثر.
الجنوب تحرر.. وشرعية المؤتمر والإصلاح لا تزال غارقة في أوهامها!
في 2015، اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء وأسقطوا ما تبقى من "جمهورية" الوحدة، بينما خرج الجنوبيون بكل شجاعة وحرروا أرضهم من مليشيات صالح، ومن خلفهم جماعة الإصلاح. لكن المفارقة المضحكة أن من يتباكون اليوم على "الوحدة" لم يستطيعوا بعد أكثر من عشر سنوات أن يستعيدوا حتى عاصمتهم، بينما لم يترددوا في اتهام الجنوب بالتمرد والانفصال!
هؤلاء ممن يسمون أنفسهم حكومة الشرعية لم يكن همهم في يوم من الأيام استعادة ما سقط من اليمن، بل ظل تركيزهم منصباً على منع الجنوبيين من إدارة محافظاتهم، وكأن الجنوب بات خطراً يهدد بقاءهم السياسي، أكثر من خطر الحوثي ذاته.
حقد دفين.. وخوف من نجاح الجنوب!
إن ما يفضحهم اليوم هو هذا الحقد العميق على الجنوب، ومحاولاتهم المستميتة لشيطنة مشروعه الوطني العادل، وتصويره على أنه تمرد، لا لشيء سوى لأنه يُطالب بالتحرر من التبعية والانطلاق نحو مستقبل حر ومستقل.
هم يدركون تماماً أن نجاح الجنوب في بناء دولة مستقرة سيدق آخر مسمار في نعش مشروعهم الفاشل، ولذلك يصرون على خلط الأوراق، وتحريك أدواتهم في الجنوب من بقايا المؤتمر والإصلاح، لزرع الفوضى وبث الفتن.
لكن نقولها بوضوح.. احذروا اللعب بالنار! فشعب الجنوب قد وعى الدرس جيداً، ولن يسمح بتكرار مآسي الماضي. ومن يراهن على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فعليه أن يراجع حديث النبي ﷺ: "رحم الله امرأً عرف قدر نفسه."
الجنوب ليس عدواً لأحد.. لكنه لا يريد أعداءه بين ظهرانيه
إن الجنوبيين الأحرار قاتلوا وضحوا وحرروا أرضهم بأنفسهم، بينما كنتم أنتم من تدّعون الشرعية تتسكعون في عواصم الفنادق والملاهي، وتعيشون على موائد المانحين، وتتغنون بشعارات جوفاء عن "الوحدة" و"السيادة" التي فقدتموها منذ زمن.
لماذا كل هذا الحقد والحسد على الجنوب؟ لماذا تغارون من نجاحه في حين فشلتم في الحفاظ على أرضكم وهويتكم؟ ألم يحن الوقت لتراجعوا أنفسكم؟
الجنوب اليوم لا يريدكم أعداءً، لكنه لا يريد بقاءكم فيه بأي صفة. الجنوب لم يعد تابعاً لأحد، ولن يعود إلى بيت الطاعة، لا للمؤتمر، ولا للإصلاح، ولا لأي طرف كان.
الرسالة الأخيرة
إلى كل من لا يزال يراهن على أدوات الفوضى المؤتمر والإصلاح داخل الجنوب، نقول.. لقد خسرتم الرهان.
وإلى القوى الجنوبية.. إن لم تتوحد صفوفنا الآن، ونتجاوز انقساماتنا وخلافاتنا، فإننا سنخسر ما تبقى من فرصة لاستعادة دولتنا ومستقبلنا، وسنترك المجال لخصومنا ليستمروا في العبث بمصير أجيالنا.
فلنتحرر من الحسابات الضيقة، ولنتجاوز المصالح الآنية، فالوطن أكبر منا جميعاً، ولا يمكن أن يبنى إلا بوحدة الموقف، وصفاء النية، وإخلاص التوجه، وعلينا أن نأخذ من قسوة الماضي عظة وعبرة، وأن نتعلم من مدرسة أيامه كيف نصنع من الحاضر والغد زمناً أجمل.
سيبقى الجنوب كما عهدناه: حراً، أبياً، شامخاً لا ينكسر...
ناصر العبيدي