صلاتين وامامين في أحد مساجد المهرة
السلفية وخطر تقسيم المجتمعات: حين يتحول الدين إلى أداة فصل... خطر السلفيين على النسيج الاجتماعي والحضاري للمجتمعات المحلية
شبوة برس – خاص
تابع محرر شبوة برس: ما شهدته محافظة المهرة وغيرها من محافظات الجنوب العربي من محاولات متكررة من جماعات وتيارات فكرية سلفية لإعادة تشكيل الواقع الاجتماعي عبر لغة تصنيف جديدة تقسم الناس إلى «فرق» و«أحزاب» دينية متصارعة مكفرة لبعضها البعض
اليوم في المهرة شهدت إحدى المساجد أداء صلاتين منفصلتين داخل نفس المكان، وهو مشهد يعكس فشل أسلوب الإكراه في فرض نموذج واحد وسط رفض اجتماعي واسع. هذا الانقسام العملي في ممارسة العبادة يُظهِر كيف أن السلوكيات الإقصائية تؤدي إلى نتائج عكسية: فبدلاً من ضم الناس تحت مظلة دينية جامعة، يتم تفتيت الممارسة الدينية إلى مجموعات متعارضة تزيد الاحتقان الاجتماعي.
تتجسد خطورة هذا المسار في كون بعض المدافعين عنه لا يتورعون عن تبرير العنف أو التراخي في إدانة أعمال القتل والإرهاب.
فعلى سبيل المثال، ذكر موقع شبوة برس في مقال نشر بتاريخ 11 أغسطس 2014 أن هناك تعاطفاً أو مواقف مراوِغة من بعض التيارات تجاه جرائم ارتُكبت في وادي حضرموت، وهو ما يضع علامات استفهام حول حدود الخطاب الديني ومسوغاته الأخلاقية حين تُستخدم سياسياً.
التهجين بين الدين والسياسة عبر مناهج دعوية تقصي الآخر يؤدي إلى فقدان البوصلة الوطنية، لأن الولاء يتجه في مثل هذه البنى نحو جماعات وأفكار خارج إطار المسؤولية الوطنية والمجتمعية. ومن أخطر المظاهر أن بعض القوى تستغل مفاهيم دينية للتموضع السياسي، فتستثمر العواطف الدينية لكسب شرعية اجتماعية مؤقتة تُحوَّل في النهاية إلى نفوذ وخيارات سياسية ضاغطة لا تخدم مصلحة المجتمع.
المختصون في شئون الإرهاب شددوا على أن المعركة الحقيقية مع الفكر المتطرف ليست بإجراءات أمنية فقط، بل تبدأ من التعليم والتربية ومناهج الخطاب الديني، ومن تعزيز ثقافة الحوار والتسامح. المجتمع المحلي مطالب بتصعيد مناهج الوعي المدني والديني التي تؤكد على الاحترام المتبادل وحرمة الدم وحفظ الوحدة الاجتماعية، مع فتح قنوات حقيقية للمساءلة ومراقبة أي نشاط يحمل طابع التجنيد الأيديولوجي أو السياسي المقنع بغطاء ديني أو خيري.
في المحصلة، لا يمكن مقاومة ظاهرة الانقسام بالدعاء وحده أو بالتبرير، بل تتطلب إجراءات مجتمعية متعددة الأوجه تشمل التوعية، ودور المؤسسات الدينية المعتدلة، وتقوية مؤسسات المجتمع المدني والتعليمية، إلى جانب استجابة قانونية وحوارية تحمي النسيج الاجتماعي دون قمع حريات التعبير المشروعة.
خاتمة: تحرير الدين من تسييسه وحماية المجتمع من تقسيمه مسؤولية جماعية. على المجتمعات المحلية أن ترفض أي محاولة لتحويل المساجد والمدارس والجمعيات إلى ساحات للاختبار الأيديولوجي، وأن تبني مناهج شاملة للحوار والاندماج تحافظ على وحدة الناس وكرامة الدين.