في زمن اللا دولة وغياب القانون الذي تشهده البلاد كان للعرف القبلي دور فاعل في حل كثير من القضايا وتجنيب المجتمع تبعات الثأر والاقتتال ' رغم تحفظنا على بعض الأحكام الجائرة التي يرى فيها الحاكم رادع للغير، ونرى فيها مبالغة فوق ما يحتمل الناس '.
كما هو معلوم أن العرف القبلي دستور بدائي! وضع نصوصه مراجع قبلية وحكام منذ القدم ولم يشهد اي تجديد أو تعديل شامل إلا بعض التعديلات البسيطة لتلك الأعراف .
وتختلف الأعراف القبلية من زمن إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى من حيث كبر الأحكام وصغرها ، لكن الثابت أن لكل قضية حكم يستند إلى حيثياتها ، ولكل مشكلة عرف يناسبها ، بعد أن يأخذ الحاكم من أطرافها ما لديهم من اثباتات و الإستماع لأقوالهم وكل يدلي بحجته أمام الحاكم.
- كيف تختطف القبيلة ؟ :
في العرف القبلي المتعارف عليه منذ القدم لدى مختلف القبائل أن الكلام لكبير القبيلة ، وعند حدوث أي مشكلة فإن الكبير في القبيلة أو الأسرة هو المعني بالكلام والدفاع عن حقوقها .
وكان من اهم العادات والأعراف الملزمة التي كان يحترمها الجميع : ألا يتكلم الصغار " الشباب " في وجود من هو أكبر منهم! .
أما في الوقت الحاضر فقد لوحظ الخروج عن هذه القاعدة ، وبدأ الشباب الصغار يختطفون رأي القبيلة و يهمشون عقالها و مشائخها ! و بدأنا نسمع مفردات غريبة و مستهجنة لم تكن موجودة ، ولم نسمعها من الصغار من قبل وهي : ﴿ انت يا فلان لا تمثلني !!؟﴾ و ﴿انت ياشيخ ما تقطع علي !﴾ و ﴿ إذا أعطيت صلح أو وافقت على كذا با سود وجهك !!! ﴾ هذا كلام كبير وخطير واختطاف للقبيلة وتجاوز للعرف .. بل إنه الخطر الأكبر الذي يهدد كيان القبيلة والمجتمع ويلغي العرف القبلي المنظم لعلاقة الأفراد داخل الأسرة والمجتمع .
- عواقب التخلي عن العرف القبلي و مخالفته :
من أهم عواقب البعد عن الأعراف السائدة وتجاوز مراجع القبائل ، انتشار المشاكل وتعقيدها ، وكثرت قضايا القتل مما يؤدي إلى تفكك المجتمع ودمار القبيلة وضعفها أمام القبائل الأخرى.
إن عدم احترام العقلاء وأهل الرأي في القبيلة وخارجها يعد مخالفة وتخلي عن الأعراف والعادات والتقاليد السائدة .
وما نشاهده من ظاهرة القطعان او تخلي بعض القبائل عن فرد أو أفراد منها ، هو نتيجة خروج أولئك النفر عن رأي القبيلة و مخالفتهم مشورة الكبار والعقال .
- هل يمكن تعديل تلك الأعراف القبلية لتواكب العصر ؟ :
من الممكن شرعنة بعض الأعراف وتقنينها لتتوافق مع الشريعة الإسلامية ، وتتوائم مع القوانين الوضعية .. لأنها في الأساس قوانين وضعها حكماء و مراجع قبلية منذ القدم للحفاظ على لحمة القبيلة ومنع الظلم واحترام حقوق الإنسان وتنظيم العلاقات الإجتماعية بين البشر .. بعضها بنيت على قوانين قديمة جداً وجدت في النقوش التاريخية للحضارات السابقة مثل " شريعة حمورابي " في بابل التي كتبت في عام 1750 قبل الميلاد تقريبا ، وقد تناولت الشريعة عدة قوانين مثل : القانون الجنائي وقوانين الأسرة، والملكية، والعقود، والتجارة ..
وفي مقدمة الشريعة كتب حمورابي أن الآلهة قد منحته الحكم ﴿ لكي يمنع القوي من ظلم الضعيف ﴾ وهو تأكيد على البعد الأخلاقي والديني للقانون .
يدل هذا على أن الأعراف القبلية السائدة اليوم تعود جذورها إلى تلك التي كتبت قبل الميلاد بقرون طويلة .
إذا فإن تقنين تلك الأعراف وشرعنتها ممكن اذا وجد الحكماء والعلماء بحيث تكون متوافقة مع شرع الله أو مع القوانين السارية في الدول التي لازالت تحتكم إلى الأعراف القبلية مثل اليمن .
- دعوة للحفاظ على الأعراف القبلية:
العرف القبلي يرتكز على قاعدة متينة هي : حفظ كرامة الإنسان واحترام حقوق الآخرين ومنع الظلم والحفاظ على تماسك المجتمع .. وكل هذه صفات جميلة يجب الحفاظ عليها والإلتزام بالعرف القبلي الذي يدافع عنها .
كما أنها لا تتعارض مع القانون المحلي وتستطيع حلحلة قضايا لا يستطيع القانون حلها ! لأن العرف داخل القبيلة مقدس أكثر من القانون .. أما القوانين الشرعية فإن معظم تلك الأعراف لا تتنافى معها .
اما الأحكام القبلية الموجودة فهي بلا شك تنافي شرع الله في مسألة أساسية وهي تحكيم البشر في قضايا قد حكم فيها الله جل وعلا .. مثلا قضايا القتل العمد : في الشرع حكمها القصاص الشرعي أو السماح من ولي الدم أو قبول الدية ولا يوجد في شرع الله تعالى شيء إسمه ( اللوم ) وهو مخالف لما انزل الله كذلك في بعض الحدود يوجد مخالفة للشرع .
ونحن هنا ندعو للحفاظ على الأعراف القبلية التي لا تعارض شرع الله مثل منع الظلم والدفاع عن الضعفاء ومنع قطع الطريق والنهب وغيرها كثير من الأعراف الحميدة .