‏الجنوب في عيون الأستاذ الراشد

2025-12-28 20:46

 

لا بد من الانطلاق من مسلّمة أساسية: عبدالرحمن الراشد صحفي كبير ومعروف، لا يكتب من فراغ، ولا يمكن اتهامه بالتدليس أو الجهل بالسياق. غير أن الخبرة الصحفية، مهما بلغت، لا تعني بالضرورة قول الحقيقة كاملة، ولا تعفي من مساءلة الزوايا التي يتم تجاوزها عمداً أو ضمناً.

 

عندما قارن الراشد قضية الجنوب العربي بحركات انفصالية في العالم، أغفل  أو تجاوز حقيقة جوهرية يعرفها الجميع: ما يطالب به الجنوبيون اليوم ليس انفصالا عن دولة كانوا إقليما أصيلاً منها تاريخياً، بل استعادة دولة مستقلة دخلت في مشروع وحدة مع دولة أخرى عام 1990، ثم فشل هذا المشروع وانتهى عملياً قبل توحيد الجيش والعملة والقوانين باستخدام القوة في 1994. هذا الفرق ليس تفصيلاً لغوياً، بل أساس قانوني وسياسي يغيّر توصيف القضية من جذوره.

في مسار نضال الجنوبيين، تتوافر واقعياً وقانونياً  كل توصيفات تشكّل الدولة:

 

الاستقلال: باعتبار ما تعرض له الجنوب بعد 1994 شكلاً من أشكال الاحتلال، وهي توصيفات صدرت حتى عن قيادات عسكرية يمنية رفيعة كاللواء علي محسن الذي قالها بعظمة لسانه كنا نحكم الجنوب بسياسة الاحتلال.

فك الارتباط: لأن اتفاق الوحدة تم خرقه بالقوة، ما يجعل الاتفاق نفسه caduque (عديم الأثر القانوني).

الانفصال: بوصفه حالة واقعية تنشأ عندما تعم الفوضى والحروب في بلد وتلجأ جماعة من السكان للعمل على تحقيق الأمن والاستقرار لحماية نفسها وإدارة شؤونها.

تقرير المصير: وهو الحق الأكثر رسوخاً، بعد ما تعرض له شعب الجنوب من إقصاء ممنهج، وتدمير مؤسسات، وإفقار، وتسريح، وقتل خارج القانون، وسجون، وكلها شروط معترف بها دولياً لممارسة هذا الحق.

 

أما مسألة التمثيل الشعبي، فالسؤال الذي يُطرح: ما الأداة البديلة المتاحة اليوم لقياس الرأي العام الجنوبي؟ في ظل غياب الاستفتاءات والمؤسسات، يبقى الحضور الجماهيري الواسع في الشارع المؤشر الوحيد الممكن. وإذا كان لدى الراشد أو غيره معيار آخر علمي وقابل للتطبيق في هذه الظروف، فليُقدَّم للرأي العام.

 

المطلوب من كاتب بحجم عبدالرحمن الراشد أن ينظر إلى الجنوب بعين الصحفي المحايد، لا من زاوية مواقف مسبقة تشكلت في سياقات الحرب الباردة أو صراعات الماضي. فالجنوب اليوم ليس جنوب الأمس، لا قبل عشر سنوات ولا قبل عقود.

 

أما خارطة الطريق للخروج من مشروع الوحدة، فهي كما أشار الراشد الأسلم والاكثر أمانا للجميع، لكنها لن تنجح ما لم يقتنع الأشقاء في اليمن بأن في ذلك أيضا مصلحتهم، بعد تجربة فاشلة ومكلفة، وأن الاهتمام بوضعهم والانصراف لبناء دولتهم ومعالجة أزماتهم الداخلية، لا في الإبقاء على وحدة لم تنتج سوى الصراع والانهيار.

فمن يقنع الأشقاء في اليمن بذلك؟