مرحبا بالمجانين

2014-09-10 08:42

 

عالمنا الآن انتهى فيه الفرق بين الجد والهزل، والبكاء والضحك، الواقع والخيال. الوصف ليس خاصا بمجتمع دون آخر، أو ثقافة دون أخرى. ومما تسبب بشيوع هذا الجنون وهطول هذه الهلوسات كوبل الغمام، سهولة التواصل بين البشر، وسهولة توثيق لحظات الهبل والجنوح. أخبث مزيج يمكن تصوره هو مزيج التعاظم الشخصي مع الهوس الديني والقومي، مع «رشة جريئة» هنا توقع ما لا يتوقع من صنوف الهيستيريا. المخيف في الأمر هو أن ما تراه محصورا في عالم الإبداع السينمائي والروائي والتلفزيوني، بات يتمرد على أسواره، ويفيض لعالم الواقع، وما صنائع «داعش» والحوثيين و«القاعدة» ومهاويسهم بيننا، عنا ببعيد.

 

هل كان هناك مجانين في السابق، قبل عصر انفجار الاتصالات، ولكن لم تكن هناك وسيلة لتوثيق جنونهم بسبب ندرة وسائل الإعلام وإمكانية التحكم بها؟ أم أن سهولة وسيلان وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت شجع على المزيد من الهبل وأخرج كوامن الأمراض والطموحات المجنونة؟ لا ندري.. لكن ما ندريه حقا هو وفرة لوحات الجنون على جدران الهلوسة اليومية في العالم، ومرايا الإعلام سخية في عرض هذه اللوحات.

 

فقد أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض اليوم، أحكاما ابتدائية تقضي بسجن 5 متهمين «من الجنسية السعودية» بين 5 سنوات و25 سنة بعد ثبوت إدانتهم باتباعهم شخصا ادعى أنه رسول الله المهدي السفاح. في إسرائيل رشفة من هذا الجنون، فقد أدان القضاء الإسرائيلي معتوها اسمه «غويل راتزون»، وهو إسرائيلي زعم أن الخبر يأتيه من السماء، وبأنه «مسيح» اليهود المنتظر، فأسس طائفة اقتصرت على زوجاته وأبنائه.

 

أخبار كهذه لا يجادلك أحد في تصنيفها ضمن أخبار الهبل والدجل، لكن الأخطر منها هو ما يماثلها في الجنون، لكن مع وجود أنصار ومؤمنين فاعلين على الأرض. وأبرز مثال على ذلك الأخ إبراهيم عواد، خليفة «داعش»، فلولا أن له جماعة وأنصارا يمارسون الإرهاب والقتل، لما زدنا على وضع الأخ الخليفة ضمن خانة الأخبار الغريبة، خصوصا مع جملته الفاقعة في خطبة الموصل حين قال بكل ثقة: وليت عليكم ولست بخيركم! ضمن هذه الأخبار ضع نصحية شيخ الإرهابيين، الأردني أبو محمد المقدسي، الذي وجه توجيهات لجماعة «داعش» يحثهم فيها على الاعتدال وترك الغلو! وقال المقدسي لـ«داعش»: «كفوا عن نشر مناظر القتل وتصويره، واتركوا الإصرار على القتل بالذبح حتى ولو مع الكفار، وقد صارت هذه المناظر الرهيبة مستمسكات في أيدي أعداء الإسلام، يشوهون بها الإسلام والمسلمين». تريد أغرب من ذلك؟

 

إليك هذا.. «داعش» غاضبة من غلو أحد مشايخها، هو «أبو عمر الكويتي» الذي قيل إنه كفّر زعامات «داعش»، لأنهم لم يقوموا بالجهاد كما ينبغي! وعلى عادة «داعش» في التفاهم، أعدمت الكويتي هذا، بتهمة التزمت!

 

لو جمعت مثل هذه الأشياء التي تولد يوميا في العالم العربي، لصار هناك جزء جديد من «أخبار الحمقى والمغفلين» لابن الجوزي.. لكن بعضه جنون قاتل.