المرحوم صلاح جابر بن شعيلة وقصة -هوبدل-

2016-04-29 07:53
المرحوم صلاح جابر بن شعيلة وقصة -هوبدل-
شبوه برس - خاص - لندن

 

في أربعينيات القرن الفائت في - مانشستر - بريطانيا- كان ثمة رجل يسمى -هوبدل- يعمل -قيّما -اي -حارسا- لمدرسة في حيٍ في مدينة - مانشستر - تعرف ب مدير مدرسة - فراير ستريت- حيث عينه -قيماً- ينظف أرضية المدرسة، يمسح ألواح الكتابة ،يرتب الطاولات، يغسل ويجلي زجاج النوافذ، ويوقد المدافىء في الشتاء. ويقوم بمهام لاحصر لها. أمانته في العمل جعلته محط إعجاب الناس آنذاك وبالذات مدير المدرسة مستر "براون " الذي حان وقت تقاعده ليخلفه مستر "جونسون .

 

الأخير هذا كان علی عكس سابقه، رافعا لشعار :التنظيم والفعالية. .الخ " وعند البوابة وضع سجلاً يلزم العاملين هناك بتسجيل وقت دخولهم وخروجهم ، وتصديق هذا بامضاءآتهم. .ولكنه لم ير ضبطية -هوبدل - !

وعندما استدعاه وجده لا يجيد القراءة والكتابة! ورغم سجله الحافل بالجد وحسن الأداء فقد اعفاه المدير الجديد. .فعاد إلى حجرته مكسور الخاطر!

ولأنه أعزب، فقد اعتاد تحضير وجبة عشاه ، حيث كان بارعا في طهي طبقه من :سمك -الرنجة- مدخن و- سلمون- وبعض أصابع السُجُق.، يتناوله مع شرائح الخبز، مع فنجان كبيرة من الشاي!. لكنه في ذلك المساء البارد الرطب وجد نفسه أمام محل بيع السجق وقد أغلق أبوابه، لأن صاحبته قد عادت إلی بارئها. ما من دكان آخر في المنطقة كلها، فلمعت في ذهنه فكرة فتح المحل ليبيع فيه -السجق- الذي كان بارعا في طهيه.

بعد أسبوع وقف خلف الحاجز يبيع السجق نيئا ومغليا ومقليا . رائحة -السجق- جعلت الزبائن يتهافتون عليه مما ارغمه علی توظيف مساعدين له، وذاعت سمعة المحل وزاد الإقبال علی "سجق هوبدل " في أرجاء - مانشستر - مما ارغمه علی توصيله لطالبيه علی الدراجات.

فتح مزيدا من المحال ! ولم تمض بضع سنوات حتی غطت خدمته شوارع المدن البريطانية. .وصار اسم ذلكم الفرّاش -هوبدل- حديث وسائل الإعلام والدعاية، وصار بإختصار بطلاً قومياً!

لا ادري كيف أطلق القوم في - يافع- عن أشد الأشغال صعوبة وجهد وعناء اي الذي يشق الصخور للبناء فسموه - نقّــّاش- والنقّاش في هذا الخضم الصخري هو "قاطع الأحجار " أو قالعها من محاجرها اي بلغة الجمع - المناقيش -او المحاجر.

 

يبدو أن الأمر له صلة ب نقش الصخرة، - الصفا الصلد- اي باللغة العربية -الصفوان- فربما ان النقاش كان يقوم برسم خطوط بالفحم ، قبيل تقديد وفلق الصخر - بزبر- الحديد زنة 24 رطلا!

من النقاش الحاق القوي الذي لا تعجزه الجلاميد ؟ ذلكم كان رجل الاعمال والاحسان العصامي المرحوم - صلاح بن شعيلة- وإذا تحداه - قُمع- اي صخرة كبيرة او -حــِيد- فلقه بطرقات قوية محكمة ومركزة و متواليه حتى ينشق، عليكم به، كانوا يقولون، وهكذا كان حضور - صلاح - عبر جبال وشعاب رقعة واسعة من - يافع -ذلكم كان عمله في بداية شبابه.

 

سافر النقـّاش الماهر وفالق الجلاميد إلی بلد الحرمين. كانت رحلته الاولی خارج وطنه. هناك لم يستنكف عن العمل حتی بمهنة حمّال ! لا أدري ما الذي رمی بصاحبنا للسفر إلی بلد -العم سام - وهناك امتهن بيع السجائر.في ذات يوم هاجمه أحد - الفاتكين- الشباب خاطفا علبة أو أكثر من سجائر ماركة الثلاثة خمسات -555- فصادفت الفاتك أحد دوريات الأمن النشطة التي ابلغت - حوامة - جوية في الأعالي وسرعان ما ألقي القبض علی النشّال الشاب.

 

ما لبث " بن شعيلة " أن صعد نجمه في مزاولة الأعمال التجارية. أولا في أمريكا ، ثم عبر أعالي البحار - صلاح شعيلة- ربما نال بعض دروس القراءة والكتابة في - المعلامة - كتّاب الفقيه ، لكن قصة نجاحه لم تبعده قط عن عالم المكابدة الذي انطلق منه. .حتی انه ظل يبحث عن ذلكم الشقي الذي اختطف منه ذات

 

يوم - باكت سجارة - عله يسد حاجته ويمنحه بعض الدولارات فلقد كان قلبه - رحمه الله- كنزا عميما من الحب الوارف .

لكن -صلاح- الانسان لم يتوانی قط عن مساعدة الناس ورعايتهم وبسط كفه بالعطاء والجود ،أينما التقى بهم من شواطئ امريكا، إلی الخليج وحتى مسقط رأسه الصخر- يافع- ولا مندوحة أن - شعيلة اليافعي- الذي فاضت روحه إلی بارئها وهو يطير فوق الغمام في رحلة العودة إلی بلاد العرب، ليبني مسجدا أو مدرسة أو يمهد سبيلا. .ما انقطعت سيرة بره المستورة عنا. .فسلام علی روحه الطاهرة وسلام علی والده الذي كان عالما فقيها تقياً ورعاً ، تخرج من الأزهر الشريف وكان يصلح بين الناس في موطنه - يافع - ولله در أمه الذي ذكرت به !!

 

*- الباحث المؤرخ : فضل الجثام المفلحي