في ذكرى مرسال الذي لا يموت:

2016-08-16 19:34
في ذكرى مرسال الذي لا يموت:
شبوه برس - خاص - المكلا

 

ما زال الفن في بلادنا في منزلة غير منزلته، ولو أنصف المجتمع لمنح الفنانين والمبدعين عموماً الذين يهندسون ذائقتنا الجمالية ويرهفون مشاعرنا، مكانةً خاصة، فهُم ليسوا أرقاماً عادية في معادلة تكوين أي مجتمع وأي أمة، ولِعلةٍ ليست مفهومة يبدو أن تصور أفلاطون لجمهوريته مازال يسلب المبدعين في مجالات الفنون عامة قيمةً ومكانةً هم أجدر بهما، من سواهم. فأيُّ قسوة تلك التي تمارس ضدهم، وهم يفيضون على من حولهم إبداعاً جميلاً مبهجاً تغدو الحياة بدونه صحراء قاحلة، لا تنبت إلا أشجار زقّوم التجهم والاكتئاب والضجر بالحياة والناس، التي يستظل بها قتلة ومجرمون وفاسدون ومفسدون ومغردون خارج سرب الإنسانية.

 

لم يغادر مرسال إلا بعد أن ترك فينا مراسيله الموشومة بابتسامته الساحرة الآسرة، وبكثافة حضوره وتجلّيه عند الغناء، وتسلطنه، واندماجه العميق في جو الأغنية، وتجسير المشاعر بينه وبين جمهوره، فكم أبهج أبوصبري من رجالٍ ونساء، على امتداد جغرافيا الفن الحضرمي الشاسعة، وكم كان ملء الزمان والمكان والإحساس، حتى صار له في أفئدة محبيه مقدار ما بثه فيها خلال نصف قرن من الدفء والمتعة والإقبال على الحياة.

 

مرسال ركن من أركان المكلا الجميلة، تماماً مثل محمد جمعة خان، فكيف للمرء أن يتخيل المكلا بدون مرسال؟ .. أشعر بوخز في القلب كلما علمت أن فناناً أو مبدعاً رائعاً يشكو الإهمال، أو النكران، ثم يموت وفي حلقه غصة، بحجم الألم النازف في أعماق نفسه. فبأي الكلمات نعتذر لمرسال عن غصة في حلقه، وهو الذي كانت حنجرته الذهبية مرسال المراسيل الحضرمية إلى أصقاع الكون؟

 

الفنان لا يموت، ومرسال أكثر حياة من أموات بيننا، وُجودُهم قذى بعين هذا الوطن المنهَك الذي تتناهشه حماقات وأنانيات لامتناهية، تحت عناوين شتى مخاتلة، ولعل رحيل مبدع كمرسال في هذه اللحظة بالذات – واللهم لا اعتراض - علامة على أن هذا الزمن لا يشبه صوته وروحه، فكان لابد أن يذهب باتجاه زمن آخر يشبهه، حيث النقاء البلّوري الذي لا تخدشه حماقات الطارئين على الزمان والمكان، القاصرين عن استيعاب مراسيل مرسال.

 

* من مقال ذرفت كلماته في وداعه.

*- د سعيد سالم الجرير – هولندا