اربع مراحل عاشتها بلادنا في السبعين سنة الماضية . ( 2 و3)

2013-04-17 22:58
اربع مراحل عاشتها بلادنا في السبعين سنة الماضية . ( 2 و3)
شبوة برس- خاص عدن

اربع مراحل عاشتها بلادنا في السبعين سنة الماضية . ( 2 و3)

 

قبل الحديث عن المرحلة الثالثة

اود ان اشير اولا الى ان امتداحي للتطور الكبير والهادىء والمتزن الذي اشرف عليه الانجليز في بلادنا انما اساسه المسألة النسبية والمقارنة مع المراحل اللاحقة من جهة , ومن جهة اخرى اتسامه بالواقعية وعدم القفز على المراحل وعدم تعسف الواقع ..كما ان هذا الامتداح لا يعني غياب أي عيوب , لكنها عيوب في الحقيقة لايخلوا منها اي مجتمع .

لقد تجاوبت مع ضرورات الاختصار وركزت على المسائل الجوهرية مع ان بحثا متعمقا سيكشف الكثير من الحقائق الهامة جدا حتى عن السلوك الجيد للانجليز وبعدها نسمي هذا السلوك كما نشاء اما سياسي او اخلاقي او ديني او مصلحي , ولكن وهل يعيب عليهم ان يخدموا مصالحهم بذكاء ومن دون أذية الاخرين .

من الحقائق الحرية بالبحث اتجاه الانجليز عند وصولهم الى المحميات التخاطب مع من يحكمها والتعامل معهم ان قبلوا وبالتالي فانهم لم يمسوا التركيبة الاجتماعية في المجتمعات التي دخلوها او اقاموا معهم معاهدات حماية , كما ان هذه القوى التي توارثت في الحقيقة الحكم قبليا لسنين , ابدً لم تكن عميلة وانما تعاملت بالمنطق وبحكم الواقع لان رفضها يعني لجوء الاتي الى القوة التي لا يمكن مقارنة ميزانها بين الطرفين وهي حقيقة لعل اكبر فلاسفة اليسار اليوم والعقائديين مابرحوا يكيلوا لنا من اهمية الاحتكام لها.

نعم لقد اجبر المشائخ والسلاطين والامرء على التعامل مع الواقع وكان امراًمفروغ منه لان البديل اسوأ كما انهم بهذا حافظوا على كثير من قيمهم وعاداتهم الطيبة توازياً مع حركة معقولة وهادئة في الاتجاه نحو التقرب والالتصاق بمتطلبات النماء والتطور والاحتكاك بالجديد .

 

المرحلة الثالثــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة

 

اظن باني لم ابالغ عند ان سميت هذه المرحلة بمرحلة الانقلاب العشوائي (الكبرى ) ولا ادري هل تركيبة الجملة هنا لغويا صحيحة ولكن المعنى اننا انقلبنا على انفسنا بالحقيقة بطريقة عشوائية رهيبة كان من نتيجتها الدخول في فوضى عارمة نكذب ان تنكرنا لحقائقها وازعم اليوم ان كل ما وصلت اليه البلد انما كان من نتيجة هذا الانقلاب الذي لم يكن يستند على أي منطق سياسي سبق وان عرف في أي مجتمع يعرف مصالحه العليا.

اننا هنا ننطلق من قوانين ثابتة ومعترف بها من قبل كل سياسيي العالم في علم الاجتماع وعلم التطور ,مع الاسف كان القوم انفسهم وجميعهم لدينا يمتدحون هذه العلوم التي على راس روادها العالم العربي ذو الاصول الحضرمية (ابن خلدون )

كانت مقدمات المرحلة منطقية ان ناضل كبار رجال الجنوب سياسيا الى ان تواصلوا مع الامم المتحدة الى اقناع الانجليز بالاعتراف بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم وكان المفروض بعد الوصول الى هذا من الناحية المنطقية ومن دون أي امر آخر اطلاقا هوا التحاور بين كل رجالات الجنوب بمختلف مشاربهم ومشاريعهم للوصول الى نقطة التقاء بخصوص كيفية ادارة البلد بصورة مشتركه .

وعند ان تم رفض التحاور بدأت العشوائية التي البسها اصحابها باقنعة ثورية وتحرريه لا ننكر انجرار الالاف من ابناء شعبنا تحت شعاراتها من دون علم ولكنها مموهة بالحقيقة التي تقف خلف كل ذلك ,والمتمثلة في ان قيادات ذلك العمل قد قرروا الانفراد بالحكم واقصاء الاخرين وهوا الامر الذي افرز بالتالي اسباب اللجوء للسلاح واستخدامه للوصول الى هذا الهدف من قبل اكثر الجهات وتحت اقنعة مختلفة بما فيها العمليات التي سميناها فدائية.

 

في الحقيقة لا ترمي الا الى الوصول الى السلطة وحسب ولا غيره اذ ان الانجليز انفسهم لم يكن فقط قد اعلنوا وانما مارسوا عملياً التهيئة العملية لقيام الجنوبيين لحكم انفسهم عند ان انشاؤا اتحاد الجنوب العربي , بل وفاوضوا اكثر من جهة لمناقشة كيفية استلام السلطة ورعت اكثر من حوار وايدت حتى الحوارات التي رعتها مصر بين بعض الجبهات والقوى الا ان شهوة السلطة والاقصاء قد اصابت القوم ومارسوا باسم النضال حروب بين الشعب وبينه في حرب اهلية لمرتين وذلك بهدف اقصاء الاخر .

 

وفي 30 نوفمبر 1967م توج الاستقلال الجنوبي ببدء مرحلة عشوائية تعمقت بصورة فجه في 22يونيو 1969م وبشكل لا مثيل له على الاطلاق, وفي أي بلد كان , واليوم فان الكاتب لهذه الاسطر يعترف بعد ان اطلع وقرأ وسمع الكثير, واكذب ان قلت اني قد عرفت هذا من قبل, او اني فقط كنت خائفا كما يحلوا للبعض ان يكذب على نفسه ,واعترف اليوم, باني قد كنت من اشد المتحمسين حينها لهذا الاتجاه, بسبب من التعبئة الخاطئة واساليب غسيل الدماغ التي مورست والاعلام الذي كان يشحن الناس بشعارات غنائية يرددها الناس دون أي وعي.

لابد من الاعتراف بفضيلة كبيرة للحكم اثناء هذه المرحلة الثالثة وهي تعميم تواجد الدولة في كل ركن من البلاد والحفاظ على قوانيها وتطويرها كقوة على الارض هي التي تقرر الفصل في القضايا بين افراد المجتمع وحافظت على الكثير من القيم الطيبة التي اسسها الانجليز كالبلديات والمرور والمعاملات وحتى التعامل مع القات فحيث كان ممنوعا دخوله الى محافظتي حضروموت والمهره قرر نظام الاستقلال استمرار العمل به بل وطوره الى ان منع استخدامه لخمسة ايام بالاسبوع في بقية المحافظات الاخرى الغير زارعة للقات .

هذا السلوك الطيب تجاه تواجد الدوله وقوانينها رافقه على النقيض منه تماما سلوكاً سيئآ ووقحآ ,ان لم نقل عدوانية فجه تجاه الانسان الجنوبي عند ان انزل نظام مابعد 22يونيو القاب وتصنيفات لغالبية قوى المجتمع الجنوبي الحية اسبغها بطابع العداء للنظام بمسمى الرجعية والاستعمار ووو...الخ .

في الاعلام والتوجيهات الحكومية ., تم استبعاد السلاطين وكل اقربائهم , ثم جاء شعار ( كل الشعب جبهة قومية ) ليعتبر كل مناضل من جبهة التحرير والرابطة والاحزاب الاخرى, وكل القوى التي كانت تنشد الاستقلال, من خارج الجبهة القوميه, قوى معادية, لا يوجد لها أي حق في الحصول على أي حقوق كمواطنين طبيعيين .

وفي ملفات الامن والمخابرات قوائم لكل قوى المجتمع الفاعله واغلب نخب المجتمع وبشكل عجيب لابد في المستقبل من البحث العلمي عن خلفياته ومن ثم دراسة نتائجه النفسية والاجتماعية .

نعم كانت قوائم تحت مسميات عدة :-

- المسرحين من الجيش والامن ..وقد سرح الالاف من ابناء الجنوب تحت مسميات شتى والغريب انه لم يكتفى بتسريحهم ولكنهم ادخلوا في قوائم سوداء ربما احيانا حتى اولادهم لا يستطيعون الحصول على حقوقهم في العمل الوظيفي او الدراسة الجامعية بسبب من تواجد اسماء آبائهم في هذه القوائم .

- الاقطاع . وما ادراك ما الاقطاع ...؟ ..وياريت ان من هم في هذه الكشوفات اقطاعيين بالمعني الحقيقي , فمسمى الاقطاعي هنا في الجنوب جاء سياسيا تجاه قوم مغضوب عليهم دون سبب لان الاقطاعية لا تتواجد بالمعنى العلمي لامتلاك هؤلاء لاقطاعيات زراعية حقيقية .

- الكمبرادور ..وعلى نفس شاكلة الاقطاعيين فان غالبية هؤلاء المسجلين في هذه القوائم يمكن لدى الواحد منهم متجر او متجرين صغيرين ولكنها الطفيلية الرعناء بحق ,او الحقد الذي قلت عنه بان لابد من دراسته بحق .

- البرجوازية ...وهي الاخرى فان لا برجوازية ولا يحزنون وخاصة في المناطق الريفية .

تجاه هذا الامر استذكر واقعة ظريفة وسخيفة ومضحكة ومؤلمة عشتها امام عيني ..

كنت في اجتماع تهيئة للمؤتمر العام الخامس للجبهه القومية في مقر التنظيم بعتق وكان الاجتماع يناقش استمارات كل عضو .. في وسط الاجتماع وقف احدهم مقدما ملاحظة على زميلاً له بان لدى والد هذا العضو طاحون وانه بهذا الامر يعتبر برجوازي صغير وان البرجوازية الصغيرة ( والحديث لازال لصاحب الملاحظة ) كما قال "الكتاب الذي قرأه" انما هي خطر على الحركة الثورية ..

لن يصدق القارىء ان ( لا ادري هنا ما هو الصح) خوف رئاسة الاجتماع , او انتهازيتها, او عدم علمها , قد افردت نقاش طال لمدة اكثر من نصف ساعة وسط النهار القائض لهذه الملاحظة الى ان فصل النقاش رجل عاقل وقال ..انها طاحون ياجماعة فتجاوزوا الملاحظة ومرّروا استمارته .

وفي وسعي اليوم حتى ان انقد الرجل نفسه الذي كان حرياً به ان كان عاقلا ان يهرب من اجتماعات بهذا الشكل ويترك التنظيم السياسي برمته , لكنها اخوتي الديماغوجية التي اعترت القوم جميعاً حينها .

- الكهنوت.. ..وفي هذه القائمة رجال دين على درجة كبيرة من الاحترام والجلال عند المجتمع .

- التحرير

- الرابطه

- الضباط السياسيين

- كبار موظفي الدوله العاملين في عدن وهم اكثر خبره وعلم

والقائمة تطول واعرف ان اليوم من سوف يستغرب ذلك ولكنها الحقيقة المرة .

على اثر كل ذلك ونتيجة للضرب القاسي لسلم التركيبة الاجتماعية في المجتمع الجنوبي والانقلاب العشوائي الرهيب الذي جعل عاليها سافلها ورفع من شان قوم لا يفقهون شيئا في تجارب الحياة وأصولها و قوانيها ..

نعم على اثر ذلك اطلق العنان لكل من هب ودب في الحلم الغير مشروع في الوصول الى اعلى المراتب .

هكذا ليس إلا لأنه قد شاهد فلان من الناس قد ارتقى في هذا السلم وقد كان زميلا له او انه قد كان يرى فيه قمة الجهل .

وبالتالي فانه احسن منه .

ان هذا الامر بدرجة رئيسية واسباب اخرى ربما اقل اهمية هي التي خلقت حالة من عدم الاستقرار في الحياة السياسية العامه ,تعمقت هذه الحالة كثيرا ان مارس القوم انفسهم اساليب الاقصاء لاحقاً فيما بينهم, في عملية رهيبة من الاقصاء المتواصل وإحالة طوابير هائلة من القوم الى صفوف الاعداء والمغضوب عليهم

ولقد امتدت هذه العشوائية او الفوضوية الى كل المجالات بما فيها السياسة الخارجية فالمجموعة هذه تبنت عداء صارخا تحت مسميات ثوريه لدول الجوار كافة ولبلدان خارجية اخرى ولمنظمات وهيئات دولية وان كان للكثير من هذه الجهات مواقف لا تتوافق والسياسات الوطنية فان النظام قد كان هوى من يعطي هذه الجهات الذرائع لاتخاذ مواقف العداء بالنظر الى ما كان يجب عليه وهوا نظام ناشيئ ان يمارس المرونة واتخاذ الحياد الايجابي الحقيقي لافساح المجال لبناء نفسه وتطوير حياة شعبه .

هذه هي الحقيقة المرة التي لابد من الاعتراف بها اليوم ان اردنا ان نعيد الاعتبار للمجتمع ونعيد له توازنه المنطقي .

ولان الحديث عن هذه المرحلة له الكثير من التفرعات والتفاصيل الهامة تماما كما هوى حديث لابد وان يكون النقاش مع البعض تجاهه حاداً مع الاسف بسبب التعصب والادعاء الخاطيئ او التذرع بعدم صوابية الحديث في هذه الظروف فانني هنا اختتم بحدث وموقف جدير بالملاحظة والتأمل لانه يلقي ضوء كاشف على كل ما ذكر اعلاه .

وقبل ان اتطرق الى الحدث او الموقف أؤكد من ان المرحوم الرئيس الاول للجمهورية الجنوبية وان كان ممن مارسوا بل واصدروا قوانين الاقصاء وهوا الرئيس قحطان الشعبي غفر الله له قد كان ممن يؤيد ان يقود السفينة رويدا رويدا وبرجال هم على قدر لا بأس به من العلم والثقافة والخبرة وكان قابلا للتعاون مع بعض القوى الاخرى ..

تماما كما هوا الرئيس سالمين الذي توصل الى هذه الحقيقة متأخرا وبعد ان مارس غالبية الاخطاء القاتلة مع طاقمه , او بالاصح بعد ان وقعت الفأس بالرأس .

اما الحدث او الموقف فانه للرئيس ناصر الذي كان ايضاً جزء من النظام برمته لعله في عام 1985م قد ادرك وحزر الموقف الخاطى والمهلك الذي تسير فيه البلد جراء هذه السياسات وتبنى ورقة العمل الشهيرة التي تبناها لتكون برنامج جديد للحزب الاشتراكي وكان من شان هذه الورقة من الناحية النظرية اعادة الامور بالتدريج الى نصابها واعادة الاعتبار للمجتمع ..

نعم لقد قدم الرئيس علي ناصر ورقة العمل التي كانت حقيقتها القيام بعملية انفتاح تدريجي ولكن هام وكبير في آخر المطاف وكانت في الحقيقة هي السبب في احداث يناير1986م لازلنا نذكر الحملة التي تبنتها قوى حزبيه وفاعلة في الجيش والدولة الجنوبية متهمة الورقة بانها تهدف الى الارتداد بالاتجاه الثوري واسقاط التجربة الاشتراكية والارتماء باحضان القوى الرجعية .

ادعوا الجميع ومنهم الباحثين والمؤرخين الى العودة الى هذه الورقة والتي تبنت بالضبط :-

1 – انفتاح الحزب الاشتراكي على قوى اجتماعية اوسع بالمجتمع الجنوبي وعدم حصر العضوية بما يسمى العمال والفلاحين الذين هم في الحقيقة غير موجودين بهذا المجتمع على نحو فاعل .

2 – الانفتاح على الشمال بصورة اكبر وتطوير علاقات التنسيق في كافة المجالات عبر المجلس الأعلى وتفرعاته .

3 – الانفتاح على الدول العربية كاملة والغاء الحضر في التعامل مع من نسميها الدول الرجعية

4 – الانفتاح على الدول الراسمالية قاطبة والغاء الحضر في التعامل مع من نسميها الدول الرأسمالية والامبريالية .

5 – الانفتاح الاقتصادي التدريجي في الداخل والسماح بمزاولة النشاط التجاري للقطاع الخاص بما يوفر للناس فرص للعمل وتطوير الحياة العامة للناس وكسر احتكار الدولة للانشطة التجاريه .

 

وكان يمكن لهذا التوجه ان يقود الى انفتاح كالانفتاح الاقتصادي العظيم للصين , مع بقاء قوة وتأثير الدولة وتبنيها الفصل في قضايا المجتمع وهي المميزات التي قلنا عنها في مقدمة هذا الموضوع حيث ان من اكبر انجازات النظام في سنينه الاخيرة قبل احداث يناير ان اوجد في كل مركز من مراكز المديريات محكمة جزئية وطبق تقريبا نظام الحكم المحلي بتعيين محافظين من ابناء المحافظات , وخزينة فرعية ونشاط حكومي مستقل اداريا وماليا.

كما طور من نشاط المنظمة المكروهة لاسمها وهي منظمة لجان الدفاع الشعبي والتي في الحقيقة اصبحت في آخر ايامها منظمة وطنية لا ترتبط مطلقا باجهزة الامن وكثيرا ما اسقط الجمهور الذي ينتخب قياداتها كل سنة ممثلي اجهزة الامن واضحت اضخم مؤسسة ديمقراطيه محلية وطنية بحق وحقيقة

في الاخير اختتم بسؤال لاحد المعلقين والسؤال بالتالي معمم للجميع حيث قال احدهم بان الانجليز انما عملوا كل ما ذكرته ليس لاسباب دينية او اخلاقية انما لمصالحهم وكأنه يقولني بما لم اقله فأسال هنا هذا الاخ والجميع اخواني ..

ولماذا نحن لا نعمل ايضاً لمصلحتنا ونطبق الشرع الحقيقي ونستخدم علوم الارض وتجارب الاخرين بما يخدم مصالحنا ..

ياهذا .. ان العمل في الدين نفسه مصلحة اخي ..الا نعمل مع الله بالأجر ؟؟

الا نعمل الصالحات لأننا ننشد الجنة ...؟؟الا نتجنب السيئات لأننا نخاف من النار ..؟ الا نزيد من الاستغفار لنزيد حسناتنا... ؟؟

فالى المرحلة الرابعة والاخيرة

* من إعداد الأستاذ سعيد صالح ابوحربه

للأطلاع على الحلقة السابقة : أضغط هنا