منظر لسجن مونتاين بوسي في السيشل
يقبع أكثر من ألف قرصان صومالي في سجون في عدة دول، منهم عدد انتهى به المطاف في سجن تموله الأمم المتحدة في جزر السيشل في المحيط الهندي.
لم يكن الهنود أصحاب المتاجر المنتشرة على شاطئ البحر في فكتوريا عاصمة دولة جزر سيشل على علم بالسجن الموجود في منطقة مونتانيت بوسي، لكن قرويا دلني عليه وقال إن علي التوجه إلى داخل الجزيرة عبر واد مليء بأشجار الموز.
تركت البحر ورائي وتوجهت إلى داخل الجزيرة، وعندما واجهني مرتفع توقفت وسألت رجلين يرتديان ملابس صفراء كانا يقومان بالحفر عن الطريق علمت فورا انهما من السجناء.
طلب مني أحدهما أن اعطيه بعض السجائر، ثم طلب مني بعض المال، ثم قال "أعطني أي شيء، فلا شيء لدي. أنا من الصومال."
وصلت إذن إلى السجن الذي يقبع فيه القراصنة، وهو سجن بعيد عن الأنظار في أعالي الجبال.
ومن المفارقات أن السجن يطل من ارتفاع مئات الأمتار على ساحلين ابيضين متلألئين يدفع السائحون الأغنياء 4500 دولارا ليقضوا ليلة واحدة في الفيلات المشيدة عليهما.
لا يعرف هؤلاء السائحون شيئا عن السجن الذي افتتحه قبل ثلاث سنوات مكتب الأمم المتحدة الخاص بمكافحة الجريمة والمخدرات.
يقبع في هذا السجن 66 صوماليا بعضهم ينتظرون محاكمتهم بتهم تتعلق بالقرصنة والآخرون ينتظرون تسفيرهم إلى بلادهم لقضاء محكوميات صدرت بحقهم.
في صباح اليوم التالي، كنت في عاصمة السيشل فكتوريا، من أجل رؤية منظر عجيب على وشك ان يختفي إلى الأبد.
ففي قلب المدينة، ينتصب مبنى جميل هو عبارة عن مقر المحكمة التي تنظر في الدعاوى المقامة ضد القراصنة الصوماليين الذين كانوا يتجمعون حوله مكبلين بالأصفاد. مشهد ذكرني بروايات تشارلز ديكنز لا أحسب ان له نظير في مكان آخر.
أقتيد ستة صوماليين مكبلين بالأصفاد إلى داخل قاعة المحكمة وواجهوا القاضي وتسعة محامين الذين كانوا متشحين بالسواد وعلى رؤوسهم باروكات بيضاء.
كان الصوماليون الستة قد اعتقلوا من قبل البحرية الهولندية في أغسطس / آب الماضي في عرض البحر على مسافة عدة مئات من الكيلومترات إلى الشمال من سيشل ووجهت إليهم تهمة محاولة السطو على سفينة تجارية.
تشارلز براون محام من شمالي انجلترا، وهو واحد من محاميين بريطانيين يعملان لحساب الادعاء الجنائي البريطاني انتدبا للعمل في مكتب الادعاء العام في سيشل للمساعدة في مقاضاة القراصنة.
يقول براون إن القراصنة الصوماليين يصابون بالصدمة لدى وصولهم إلى هذه الجزر الخضراء الجميلة، ولكنه يصفهم بالناس "المرحين والاذكياء."
ويتعين على براون إثبات أن الصوماليين السنة كانوا يهمون بمهاجمة سفينة لغرض المنفعة الشخصية أو انهم اعتقلوا أثناء قيادتهم لزورق خاص بالقراصنة.
يذكر انه من النادر أن يعتقل القراصنة وهم يحملون السلاح، ولو انهم يشاهدون احيانا من طائرات الهليكوبتر وهم يلقون بأسلحتهم في البحر. ولكن يعثر بمعيتهم عادة ما يطلق عليه "بمحلقات القرصنة" كالحبال والمعالق التي تستخدم في التسلق.
ولكن غالبية الصوماليين المعتقلين يدعون أنهم مهاجرون اضطروا لمغادرة بلادهم طلبا للرزق، أو صيادو سمك بسطاء، ولكن براون يقول إن الزوارق التي يضبطون فيها تفتقر عادة إلى الثلاجات أو حتى شباك الصيد.
وبلغ عدد القراصنة الذين يلقى القبض عليهم من الكبر في فترة من الفترات بحيث كانوا يعادون الى الصومال دون محاكمة، ولكن الآن وقد شددت كثافة الدوريات في المحيط الهندي يحال عدد أكبر منهم إلى المحاكم.
ففي السيشل، كان 17 من هؤلاء قد رحلوا منذ فترة وجيزة جوا إلى سجن تموله الأمم المتحدة في بونتلاند الصومالية حيث سيقضون محكوميات تتراوح مددها بين 10 و20 سنة، وكان 59 آخرون قد رحلوا قبل ذلك.
ويقول آلان كول، الذي يعمل لصالح برنامج الأمم المتحدة الخاص بمكافحة القرصنة، إن معظم الصوماليين يشعرون بالفرح بالعودة إلى بلادهم للتخلص من وجبات الرز وسمك التونا التي تقدم لهم في سجنهم بالسيشل.
ولكنه أخبرني بقصة صومالي واحد آثر البقاء في سيشل لكي يكمل دراسته للغة الانجليزية، فهذا الصومالي تمكن من الحصول على قدر أكبر من التعليم جراء قضاءه سنة واحدة في سجن بالسيشل مما تمكن من الحصول عليه طيلة 20 سنة في الصومال.
يقول تشارلز براون إن الحرب ضد القراصنة تحقق أهدافها بفضل القوات البحرية التي تراقب الممرات البحرية والرقابة المشددة المفروضة على السفن التي تبحر من الصومال.
فلم يسبق أن هاجم القراصنة أي سفينة تجارية مزودة بالسلاح، كما أن معظم هذه السفن زودت بمخابئ محصنة يستطيع بحارتها اللجوء اليها في وقت الخطر ويتمكنون من قيادتها من هذه المخابئ.
وتشهد سيشل هذه الأيام نهضة عمرانية، بفضل الأموال العربية والروسية، ولكن هذه الأموال تتسبب في بعض التطورات المقلقة أيضا.
فالبناء يطال بعض السواحل والغابات الطبيعية. ولم يعد سجن مونتانيا بوسي البناء الوحيد الذي يشرف على فكتوريا. فهناك ايضا القصور البشعة التي ابتناها حكام دولة الإمارات.
أما قاعة المحكمة القديمة، فستحول قريبا إلى متحف، بينما ستنتقل المحكمة إلى مجمع كبير شيده الصينيون على أحد اطراف العاصمة.
في غضون ذلك، وبينما يطل أغنياء الخليج من قصورهم على زوارقهم الفارهة الراسية في مياه المحيط، وبينما ينعم السائحون الأجانب بالرفاهية في فنادقهم المسيجة، يطور القراصنة الصوماليون في سجنهم مهاراتهم في كرة القدم والبستنة.
* المصدر : BBC