في ذكرى التحرير: العسكري الحضرمي تاريخ من العنجهية وفقدان الهوية

2021-04-25 08:24
في ذكرى التحرير: العسكري الحضرمي تاريخ من العنجهية وفقدان الهوية

صورة تعبيرية من أرشيف شبوه برس

شبوه برس - خـاص - المــكلا

 

على هامش ذكرى التحرير من أبناء حضرموت إلى النخبة الحضرمية

 

د. أحمد هادي باحارثة  

العنجهية في اللغة هي الجهل والحماقة، والشخص العنجهي هو الجافي من الرجال، وهذه الصفات تنطبق على العسكري منذ أن عرفته حضرموت في عصرها الحديث، وإن كانت ليست الوحيدة في البلاد العربية في هذه الحالة التعيسة، لكن العسكري الحضرمي فاقها جميعًا لأن الآخر استغل جهله فجعله مسلطًا على أهله، ولخدمة أغراض ليس الوطن الحضرمي واحدًا منها لا خدمة ولا ولاء، بعكس عسكر البلدان الأخرى التي وإن جنت على الشعب لأجل الحاكم فإنها لا تفرط في أصل الوطن كما فرط عسكريونا.

   والمعاملة السيئة للمواطن والتلذذ بها هي أبسط عنجهية لعسكريينا بكل أشكالهم وأنواع لباسهم وحيثما وجدوا، في المرافق أو في الشوارع، راجلين وراكبين، بالعصي وبالبنادق، وهي حالة شائعة لا تحتاج إلى تدليل عليها، وقد لمسها المواطن وعلا الصوت بإنكارها، وتناولت سابقًا بعض مظاهرها التي اكتويت بنارها، لكن هنا أريد أن أسجل أن لهذه الصفة المزرية ولهذا السلوك السخيف للعسكري الحضرمي حين يولى على أهله تاريخ عتيق شكا منه من سبقنا من الكتاب والأدباء في حضرموت، نثرًا وشعرًا، حلا ذلك لبعضنا أو لم يحلُ لهم، لكن أذكره للاعتبار وعسى أن يصحو الكبار قبل أن يجرفهم التيار.

   ومن هؤلاء يقول رائد الصحافة الحضرمية الحديثة أحمد عوض باوزير في افتتاح أحد أعداد صحيفته الطليعة الشهيرة: "اشتد استنكار المواطنين لعملية التفتيش التي يتعرض لها القادمون إلى المطار الجوي بالريان، ورغم أصوات الاحتجاج والاستنكار التي ترتفع مع كل فوج من العائدين إلى أوطانهم فإن سلطات الجمارك لم تفعل شيئًا إزاء عملية الإذلال والإهانة التي يتعرض لها المواطنون والتي تتم بطريقة تثير الحنق والألم.

   إن الأوامر الحرفية التي تعطى لبعض الأميين تستحيل إلى امتهان لكرامة المواطن وإذلال له، وإن الطريقة المذلة التي يتم بها تفتيش الركاب تعفي المواطنين من أية نتائج سيئة قد تترتب على عمليات الإذلال هذه".

   وكشاهد على ذلك يحدثنا الأديب علي محمد حميد ساخرًا عن تجربته مع عسكر التفتيش الحضرمي فيقول:

   "ثمَّة جندي في مطار الريان يباشر مهمته بطريقة استفزازية، تخلو في بعض الأحيان من الذوق والأدب، وتجرّده من حق المواطنة، وتظهره كامرئ لا صلة له بهذه البلاد، ولا بأهلها.

   لقد صوَّر لي خياله الضحل أن البدلة التي يرتديها تمنحه امتيازًا يرفعه عن الآخرين، ويجعله يتصرَّف فيهم كقطع الشطرنج، ولا يدري الجاهل المسكين أن البدلة التي يرتديها، والتي يتباهى بها، ويختال غرورًا بأزراراتها الذهبية تعني في الدرجة الأولى خدمة هذا الشعب، والذَّب عن حرمته، والذود عن حياضه وأمنه.

   وأخاله معذورًا. ولعل الذين ألبسوه البدلة، ومنحوه الوظيفة هم الملومين".

   وتحت عنوان (هربوا من الموت في زنجبار فوجدوه قد سبقهم إلى الشحر)، كتبت صحيفة حضرمية عن منكوبي شرق إفريقيا (السواحل) من الحضارم عند وصولهم ميناء الشحر: "لم يمهلهم موظفو جمرك الشحر من جنود وكتبة حتى يحمدوا الله على وصولهم أرض الوطن، فبدأوا وعلى رأسهم ناظر الجمرك بتفتيش أمتعة ضحايا النكبة، وهنا حدثت بعض المواقف الي تقطع نياط القلب، ذلك أن بعض النسوة لم يحتملن الموقف فبدأن العويل، وقد علق أحد المنكوبين على هذا المشهد الدامي فقال: لو أننا نزلنا بميناء حيفا لعوملنا بصورة أفضل من هذه التي نعامل بها في بلادنا".

   وكتب المؤرخ سعيد عوض باوزير تحت عنوان يا صاحب الشرطة: "عندما كنت أكتم غيظي، وأضغط على أعصابي، وأنا أرى أمامي مشاهد التفتيش المؤلمة لإخواننا العائدين من الخارج تذكرت حادثة مشابهة للشاعر معروف الرصافي سجلها في هذه الأبيات المحزنة المبكية:

يا صاحب الشرطة ما هذا اللدد    أقاد كالقاتل قيد للقود

حتى ثيابي فتشوها والجسد    كأنني سارق مال مفتقد

كلا ولست جانيًا على أحد    لكنما الأمر لديكم قد فسد

   ومثلما شكا ذلك الشاعر العراقي نجد الشاعر الحضرمي سالم زين باحميد يقول شاكيًا عن تجربته مع العسكري الحضرمي:

أكتب في الريان هذا قبل أن أطيرْ

أكتبه والقلب في دوامة يدورْ

إلى المكلا بلادي لم أُطق المرورْ

خوفًا من الإذلال والإرهاق في العشورْ

   وفعلا ترك باحميد المكلا خلفه، واتجه للسفر مباشرة إلى سيوون التي يتعرض المواطنون المسافرون اليوم منها وإليها لأسوأ أنواع التفتيش المخزي في ثلاثة معابر، معبر رأس حويرة الذي تخضع في الرؤوس، وفي معبر الأدواس الذي تداس فيه الكرامة، وفي معبر الصلب الذي تتصلب فيه الدماء من الوقوف الطويل والغيظ المرير، ففي هذه المعابر تمارس أفانين من الإهانة المقصودة، والإذلال المتعمد على الرايح والجاي ما بين استفزاز العسكري في الميدان، وابتزاز موظف الميزان.

   وهذه السلوكيات المتوارثة عبر الأجيال لعسكريينا الحضارم، والتي يفقدون بسببها ولاء مواطنيهم واحترام أهاليهم، لا تبشر بخير ما داموا في خدمة الغير أو المير، وولاؤهم مجهول الهوية، مما ينذر باقتراب الهاوية، كما هوى الذين من قبلهم قادة وعسكريين.

وأخيرًا فقد ضربنا الأجراس، لتنبيه الحراس، فإن أفاقوا أو ينتظروا يومًا شديد المراس.