نصيحة لكل من يعمل في السياسة !!

2022-09-10 17:26


من أجمل ما قرأت هذا الأسبوع رسالة رجل لبناني أرسلها لأخيه الذي أصبح وزيرا يقول فيها :
"
تحياتي يا أخي ، لقد علمت أنك أصبحت وزيراً في حكومة لبنان الذي نحب، ولقد عادت بي الذكرى إلى أيام طفولتنا الأولى، عندما كنا مساءً بعد العشاء نتسابق لننام في فرشة والدنا المرحوم، وكان يشم رائحة أيدينا إذا كانت نظيفة بعد الأكل ومغسولة ليقبل أن ننام معه وهو اليوم مدفون ويرقد في قبره، وبعد عمر سنكون نحن هناك أيضاً، وقد يشم رائحة أيدينا إذا كانت نظيفة، فحافظ على نظافتها يا اخي ومبروك لك الوزارة "
رسالة فيها من الاخلاق والامانة والرجولة وتعتبر من موروث الصادقين المخلصين في نظافة اليد التي غابت في هذا الزمان الذي اختلط فيها الكاذب بالصادق ويصدق الكاذب ويخون الأمين ..
وقد كان فرعون صاحب أكبر كذبة في التاريخ ، عندما قال للناس أنا ربكم الأعلى، ودعا الناس لعبادته، وعندما جاء موسى الى أهل مصر وبني إسرائيل، ورغم ذلك صدق الناس فرعون وكذبوا موسى ، الى ان أظهر الله الحق ومحق الباطل وأبطل الله سحر فرعون وكيد سحرته كما جاء في القرآن الكريم !!
وكما يقال في الأمثال تستطيع أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت!!
وهنا أكتب رسالتي لمن مكن الله لهم في الارض وأقول :
لا تُغلِقَ البابَ وانت في قوتك وسلطاتك امام من حُملت امانتهم، فلعل خيرا ما تختم به حياتك سِيقَ اليك بأيديهم وانت لا تعلم

كنت الى وقت قريب أنظر لكل من يعمل في مجال السياسة بنظرة سلبية لما فيها الكثير من الثغرات والخلل والألاعيب حتى خيل لي أن من يعمل في السياسة هو ساحر وبهلوان يلعب السياسة بطريقةٍ سلبية انتهازية ، طريقة لا تضمن البحث عن مكنونات الخلل بل تزيد لتنخر وتنتج فجوة أكبر من سابقتها. بقيت أعتقد بهذا الاعتقاد حتى سمعت عن سياسيّ محنك يدعى مهاتير محمد، الذي يُعَد أكبر سياسي مُنتخَب في العالم، استوقفني اسمه كثيراً، وحدثتني نفسي أن أقرأ عن سيرته وإنجازاته، ولن أنكر الصدمة التي أصابتني وقتها، رجلٌ ذكيّ، أقلّ ما يمكن أن يُقال في حقه أنه داهية، ذو سياسة بسيطة وهي مصلحة ماليزيا أولاً ثم يأتي الباقي !!
مهاتير محمد الذي بلغ العقد التاسع من عمره هو رئيس وزراء ماليزيا الذي قادها بحربها وسلمها لمدة 22 عام منذ (1981-2003)، نهض خلالها بماليزيا من العدم، دعّم اقتصادها، واستغل صناعاتها، وأشغل الأيدي العاملة حتى أصبحت ماليزيا من أكثر الدول المتقدمة. رفض مهاتير محمد أي تدخل خارجي في سياسات وطنه وأحكم قبضته على من حوله لكي لا يسمح بأي تقصير، استغل ضميره الحيّ الذي نما معه منذ أن كان طبيباً يخصص عيادته لمعالجة الفقراء، فكبرت معه خصلة التضحية في سبيل المحتاجين، فالوطن هو للمحتاجين في المقام الأول، الذي يحتضنهم ويرعاهم ويخاف على مصالحهم كأنها مصلحته، فكان مهاتير هو الوطن للمستضعفين .
ربما أهم ما ميّز مهاتير هو أمانته في تأدية رسالته ومن أقواله:
"
أنا أصولي بالمعنى الصحيح للكلمة، بمعنى: إنّني أتّبع أصول ديني ولكن كان الناس يفسرون الدين حسب أهوائهم "
كان موقفه واضحاً أمام اقتراحات صندوق النقد الدولي، رفضها رفضاً قاطعاً فلم يقبل أن تُقاد ماليزيا إلى المجهول . فالوطن لم يكُن يوماً مربوطاً بالسياسة والسياسيين فقط، بل الوطن مربوط بالشعوب، الشعوب هي الوطن، لذا علينا أن نؤمن أننا إن أردنا أن ننهض بأوطاننا فعلينا أن ننهض بأنفسنا كما فعل مهاتير محمد.
د . علوي عمر بن فريد