*- شبوة برس - فتحي أبو النصر
اختار البعض أن يعيد بث مسلسل قديم: الحزب الحاكم، المتغول، الذي يرى الدولة مرادفا للبطاقة الحزبية، والوطن رهنا لقرارات اللجنة التنظيمية.
حزب الإصلاح، الذي كان يوما في مقدمة الصفوف ضد الكهنوت الحوثي، تحول تدريجيا من شريك نضال إلى نسخة محسنة من خصمه: نسخة تجيد التغليف، تتحدث باسم "الدولة"، لكنها تُخفي في جيبها مفاتيح مأرب وكأنها شقة في العمارة!
فأي نموذج هذا الذي يبشرنا به "الإصلاحي القائد"؟ جمهورية تعتقل من يغرد خارج السرب؟ دولة لا تسمع إلا صدى صوتها؟ وحكومة تدار من مطبخ الحزب، لا من مؤسسات الشرعية؟
أي أن كل من ينتقد هذا الواقع يُتهم بالخيانة، ويُرسل إلى مزرعة التخوين الجماعي، وكأن النقد تآمر، وكأن الوطن لا يتسع إلا لمن يحفظ النشيد الحزبي عن ظهر قلب.
والمفارقة أن حزب الإصلاح لا يزال يطالبنا بالاعتراف بتضحياته، وكأن دماء الشهداء صك براءة أبدي لكل ممارساته. نعم، قدم الإصلاح شهداء وأبطالا، وهذا لا ينكره أحد، لكن لا يمكن استعمال تلك الدماء كغطاء دائم لتمرير السلطوية والانفراد.
ثم هل الدولة هي تلك التي تُدار من مكاتب الحزب؟ هل التعددية تعني تنوع درجات الولاء داخل التنظيم؟ وهل مأرب ملكية عائلية حتى يتم إقصاء كل من لا يوقع على دفتر الحضور الحزبي؟
لكن الحقيقة المرة أن حزب الإصلاح في مأرب لا يواجه الح..وثيين فقط، بل يواجه نفسه اولا: صورته القديمة، وتناقضاته المستحدثة، وتلك الغطرسة التي تجعل من كل نقد مؤامرة، ومن كل خصم "حوثيا أو عفاشيا متخفيا".
أما نحن، فلا نكره الإصلاح، ولا نخاصمه مبدئيا، بل نخاصم نسخته المتعجرفة، التي تستبدل مفهوم الدولة بمفهوم "القيادة التربوية"، وتظن أن مأرب ساحة نشاط طلابي مفتوحة للحشد والتأديب.
بل نقولها بوضوح: مأرب ليست إمارة حزبية، ولا محطة لتجريب النسخ الفاشلة من الدولة.
هي آخر معاقل الجمهورية، وحق كل يمني، سواء كان إصلاحيا أو مستقلا أو حتى خصما محترما، في أن يشعر فيها بالحرية، لا بالخوف من نقد قيادي حزبي يُجيد رفع الصوت أكثر مما يُجيد إدارة الدولة.
لذلك، إن لم يكن الإصلاح قادرا على تقبل النقد، فربما عليه أن يراجع نفسه، لا أن يطرد المرايا من وجهه. فالتاريخ لا يرحم من ظن أن التضحيات صك ملكية للوطن.!