*- شبوة برس - عدن «الأيام» خاص:
قدّم رئيس الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، سالم ثابت العولقي، أمس، استقالته من منصبه إلى رئيس مجلس الوزراء سالم صالح بن بريك، مسببًا قرار الاستقالة بتدخلات أعاقت مهام الهيئة وعرقلت مسار الإصلاحات المؤسسية والقانونية التي شرع في تنفيذها منذ تكليفه.
وأوضح العولقي في رسالة استقالته، أنه عمل منذ توليه المنصب على مواجهة قضايا الأراضي والنزاعات المرتبطة بها، واتخذ العديد من الإجراءات لإيقاف الاعتداءات واستعادة أراضي وممتلكات الدولة وحمايتها، إلا أن التدخلات المتكررة والقرارات المخالفة عطلت جهود الإصلاح وأضعفت دور الهيئة.
وأشار إلى أن تلك العراقيل حالت دون المضي قدمًا في إصلاح المنظومة الإدارية والمالية والفنية للهيئة، والتي كان من شأنها استعادة ثقة المواطنين وتعزيز الشفافية وحماية أراضي الدولة.
وأكد العولقي أن استقالته تأتي "إبراءً للذمة وإخلاءً للمسؤولية"، داعيًا القيادة السياسية إلى تمكين الهيئة من القيام بدورها بعيدًا عن الضغوطات والتدخلات، لما لذلك من أهمية في حماية ممتلكات الدولة وتسخيرها لخدمة التنمية.
تجدر الإشارة إلى أن العولقي عُيّن رئيسًا للهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني بقرار من رئيس مجلس الوزراء في 16 إبريل 2025م، وعمل منذ البداية على تبني إصلاحات شاملة لمكافحة الفساد وحماية أملاك الدولة.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن من أبرز الأسباب التي دفعت العولقي إلى تقديم استقالته صدور قرارات إصلاحية من مكتبه لم تُنفذ وتم تجميدها من قبل نافذين، وهو ما اعتُبر مؤشرًا على قوة مراكز نفوذ متجذرة تدير ملف الأراضي بالعاصمة عدن.
وكان العولقي قد حاول خلال فترة توليه المنصب تفكيك منظومة الفساد والحد من نفوذ تلك القوى، إلا أن حجم النفوذ والضغوط التي مارستها أطراف نافذة في هذا الملف كان أكبر من أي جهود إصلاحية جادة.
وتؤكد هذه المعطيات أن قراراته الأخيرة الصادرة في 24 أغسطس 2025م بتكليفات جديدة في فرع الهيئة بعدن، والتي هدفت إلى تعزيز الأداء المؤسسي وتفعيل الدور الإداري والفني، اصطدمت بمعارضة واسعة من قِبل دوائر نافذة، ما جعل الاستقالة نتيجة متوقعة لمسار طويل من التعطيل والعرقلة.
الاستقالة تكشف حجم الصراع على ملف الأراضي في عدن، وهو واحد من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا، حيث تتقاطع فيه مصالح متنفذين ونافذين محليين مع مصالح سياسية واقتصادية أكبر.
فقد حاول العولقي تفكيك "شبكة مصالح" تتغذى من فوضى الأراضي وتستثمر في النزاعات، لكن تلك الشبكة كانت أعمق وأكثر نفوذًا من أي إصلاحات فردية. ولهذا، فإن خروجه من المشهد يؤكد أن هناك من يعمل في الخفاء لإفشال كل محاولات الإصلاح، وتشير أيضًا إلى انتصار لقوى اعتادت مقاومة أي تغيير يهدد مصالحها.
رحيل العولقي من رئاسة الهيئة العامة للأراضي يطرح تساؤلات كبيرة: هل ستُقبل الاستقالة وهل يتراجع هو وهل ستبقى الهيئة أسيرة التجاذبات السياسية والضغوطات النافذة؟ أم أن القيادة السياسية ستتخذ من هذه الاستقالة جرس إنذار لتمكين المؤسسات من أداء دورها بعيدًا عن التدخلات؟
وبين هذه الأسئلة، تبقى الحقيقة الأوضح أن ملف الأراضي بعدن يظل واحدًا من أكبر التحديات أمام أي حكومة تسعى لترسيخ الاستقرار، وأن استقالة العولقي ليست إلا حلقة جديدة في صراع طويل بين جهود الإصلاح وأذرع الفساد المتجذرة في أراضي عدن.