*- شبوة برس - عدن
يقف الجنوب اليوم عند مفترق طرق مصيري، حيث تتلاقى المتغيرات الإقليمية والدولية لتشكل ملامح مرحلة جديدة. لا يمكن اجتياز هذه المرحلة إلا من خلال رؤية واقعية، وإرادة سياسية قوية، وقيادة تعلو فوق المصالح الشخصية لتحقيق مشروع وطني شامل.
تبدأ أولى خطوات هذه الرحلة عندما يتحرر صانع القرار من الضوضاء السياسية المحيطة به، ويستبدل الأصوات غير المدروسة بأشخاص ذوي جذور راسخة في المجتمع، قادرين على صنع التوازن والمشاركة بفاعلية. فالمرحلة القادمة ليست مجالًا للتجارب غير الناضجة، ولكنها اختبار حقيقي لقدرة القيادة على أن تحيط نفس بأصحاب الخبرة والوعي، وليس بمن يبحثون عن دور مؤقت.
أما الخطوة الثانية، فهي بناء استراتيجية جديدة تقوم على فهم دقيق للواقعين الدولي والإقليمي. لقد ولى زمن الارتجال، وتتطلب المرحلة الحالية وعيًا عقلانيًا يأخذ في الاعتبار جميع الاحتمالات، ويقدم مشروعًا مقبولًا إقليميًا ودوليًا، بعيدًا عن التصريحات غير المسؤولة التي تُفقد القضايا الكبرى مصداقيتها وهيبتها.
ثالثًا، تحتاج آليات الحكم الحالية إلى مراجعة شاملة تعكس متطلبات المرحلة المقبلة. فالتغيير لا يكمن في الشعارات فقط، بل يجب إقامة نظام إداري كفء، وعقيدة عسكرية حديثة تتماشى مع هذا النظام وقادرة على حماية الاستقرار وبناء صورة الدولة المنشودة.
رابعًا، لا يمكن بناء مستقبل الجنوب دون رؤية اقتصادية واضحة تلبي احتياجات المجتمع على المدى القصير وتؤسس لنمو مستمر على المدى الطويل. فلن يشعر المواطن الجنوبي بقيمة الدولة ما لم يلمس تحسنًا في دخله ومستوى معيشته، بما يتماشى مع المستوى الإقليمي الذي يتطلع إليه.
خامسًا، يجب تبني خطاب إعلامي عقلاني يبعث الطمأنينة في الداخل، ويقدم صورة متزنة للخارج. خطاب لا يثير مخاوف الجيران، بل يبني جسور الثقة مع الإقليم والعالم، ويؤكد أن الجنوب يتجه نحو قيام دولة مسؤولة تحترم موازين القوى وتدرك تعقيدات المرحلة.
وأخيرًا، يبقى الحوار هو الأساس، فلا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح دون إشراك جميع المكونات السياسية والاجتماعية. فالتوسع في المشاركة وفتح الباب للتفاهمات يضمن أن يتحول الحلم الجنوبي إلى مشروع شامل، وليس إلى مغامرة فردية.
إن مستقبل الجنوب رهن بقدرته على اجتياز هذه المرحلة بعقلانية وبرؤية شاملة. فمن يظن أنه يستطيع صنع التاريخ بمفرده فإنه يحكم على نفسه بالفشل، أما من يتعامل بتواضع مع تعقيدات الواقع ويبني مشروعًا مؤسسيًا شاملًا، فهو الذي سيكتب صفحة جديدة في تاريخ الجنوب، صفحة تليق بالتضحيات وتلبي طموحات الأجيال القادمة.
اللواء الركن/ أحمد سعيد بن بريك
نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي
محافظ محافظة حضرموت الأسبق