لفت انتباهي تقرير مصور بالفيديو يذكر أن اليمن تحتل المركز الخامس عربياً في صادرات الثروة السمكية والأحياء البحرية، بعائدات تبلغ 245 مليون دولار سنوياً (أي قرابة ربع مليار). لكن هذا الرقم المالي لا يشمل إنتاج الأساطيل العابرة للبحار التي تصطاد لبلدانها باتفاقات غير رسمية في مياهنا الإقليمية. ولو أُضيف رقم ما تصطاده هذه الأساطيل إلى الرقم أعلاه، فقد تبلغ العائدات أكثر من مليار دولار، بل وقد يضعنا إجمالي ما يُنتج في مياهنا الإقليمية في المركز الأول عربياً.
لقد كانت صادرات الجنوب العربي وحده (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، قبل وحدة "أم الصبيان"، تحتل المركز الثالث بعد المغرب وعمان من حيث حجم الإنتاج والصادرات. في ذلك الوقت، كان لدينا أسطول سمكي خاص بسيادة الجنوب، وكان لنا ميناء ومرسى خاص بسفن الصيد، وثلاجة كبرى لحفظ الأسماك في منطقة حجيف، بالإضافة إلى ثلاجات متوسطة وصغرى في أماكن التسويق المحلي بالمديريات. وكان لدينا مراقبون بحريون يرافقون سفن وأساطيل الصيد الجنوبية والأجنبية، يحددون مواقع الصيد المسموح بها ويمنعون المساس ببيوت الأسماك ومراعيها.
كان الجنوب العربي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً) دولة تعيش على عائدات الإنتاج السمكي، إلى جانب بعض مداخيل ميناء عدن ومصفاته، وقليل من تحويلات المغتربين. آنذاك، كنا دولة تعتمد على ذاتها بأقل الإمكانات، نظراً لوجود نظام وقانون يرسيان القواعد وينظمان كل شيء في حياة شعب الجنوب.
ولذلك، لم نكن لنرى كل هذه الأزمات والمؤامرات والانتكاسات والجوع والفقر وتأخر صرف الرواتب لشهور، وتدهور خدمة الكهرباء، ومصاعب الحصول على مياه الشرب إلا عبر استخدام "الديناموات" لشفطها كهربائياً.
لم نتوقع أن يأتي يومٌ يقف فيه الشعب ينظر من بعيد إلى ثرواته التي تُستغل اليوم، كالنفط والغاز والذهب وخام الإسمنت وميناء الحاويات، وغيرها. هذه الثروات لا تحسب لصالحه، وإنما أصبحت أملاكاً تتحكم بها جماعات وأحزاب اختطفت السلطة دون انتخابات أو تصويت شعبي.
اليوم، نحن في المركز الخامس في صادرات الثروات البحرية (وأخص بالذكر الأسماك والأحياء البحرية)، تسبقنا المغرب وموريتانيا وعمان ومصر. مع أن الجنوب العربي وحده يملك شريطاً ساحلياً يبلغ طوله 1500 كيلومتر، يمتد من رأس الشيخ سعيد غرباً عند باب المندب، إلى رأس ضربة علي شرقاً عند آخر حد ساحلي للمهرة المجاور لعُمان. وبالمقابل، فإن الجمهورية العربية اليمنية ("الشقيقة") التي اتحدنا معها عبثاً، تملك ساحلاً طوله 500 كيلومتر فقط، يمتد من شمال باب المندب إلى ميدي قرب الحدود الساحلية مع المملكة العربية السعودية.
لكن العجيب هنا أن ما تسمى "وزارة الثروة السمكية" لا تملك تشريعات سيادية فاعلة تحافظ على هذه الثروة-النعمة، ولا تهتم بتنظيم عملية الإنتاج وأين يسوق محلياً أو خارجياً، ولا بأسعار الأسماك في الأسواق المحلية جملة وتجزئة. الكل يحكم نفسه في الصيد والإنتاج وتقدير الأسعار.
فهل نرى برنامج عمل واضحاً تسير عليه وزارة الثروة السمكية للاهتمام بهذا المجال الحيوي الذي يعد ثروة وطنية؟ وهل كل وزارة تهتم بوضع نظام وتشريعات تنظم عملها وتنمي مجال مسؤوليتها؟ أم أن قادتنا – ممن وليناهم أمرنا – سيظلون بلا التزام، محلقين بين الرياض وأبوظبي إلى أجل غير مسمى، بعيداً عن التواجد على الأرض والعمل مع الناس ومع الشعب ومع الأرض؟