لي تجربة شخصية لا تُنسى مع ناهبي الأراضي والعقارات...
ولا أرويها اليوم من باب الذكرى، بل كجزء من معركة مستمرة ضد ثقافة مريضة، جعلت من النهب سلطة، ومن اللص منصبًا، ومن الباطل حقًّا يُفرض بالقوة.
*- شبوة برس – فادي باعوم
في عام 1994، وبعد اجتياح الجنوب، اقتحم المدعو غازي أحمد لحول المصعبي شقة والدي، الزعيم الجنوبي حسن باعوم، في مدينة عدن.
اقتحم هذا "الغازي" بيت رجل عُرف بنظافة اليد، وعفة اللسان، وكرم الخُلق… رجل لم يكن يومًا إلا في صف المظلومين، صوتًا للحق، وسندًا للناس.
وكان هذا الاقتحام أحد أوجه الانتقام السياسي الذي مارسه نظام 7 يوليو بهدف إذلاله والنيل منه.
لكن الاقتحام لم يكن مجرد استيلاء على جدران، بل انتهاكٌ للكرامة والإنسانية.
فقد كان في الشقة آنذاك جدي، عم والدي، رجل مسن ومريض،
أُخرج بالقوة، دون أي اعتبار لسنّه، أو حالته الصحية، أو لأي حرمة أخلاقية أو عرف قبلي!
تلك الشقة لم تكن منحة ولا هدية، بل تعويض رسمي عن بيتنا الذي نُهب في خور مكسر بعد أحداث 1986، واستلمناها رسميًا بعد عام 1990 ضمن المشروع السعودي في المعلا.
لكن في بلد يُكافأ فيه اللص، حتى "التعويض" يُنهب.
ومع اجتياح عدن، سقط كل شيء: البيت، والحق، والقانون.
سعيتُ بكل الوسائل القانونية لاستعادة شقتنا. وبعد جهد جهيد ومتابعات مرهقة وخسائر كبيرة، استطعت انتزاع موعد رسمي لتسليم الشقة عبر شرطة المعلا، لإعادة الحق لأصحابه.
لكننا فوجئنا بمحافظ أبين أنذاك أحمد لحول المصعبي – والد غازي – يقتحم قسم الشرطة بنفسه، مصطحبًا حراسته التي حاولت اعتقالي، لولا موقف شجاع من بعض أفراد شرطة المعلا من أبناء أبين، الذين تمترسوا معي دفاعًا عن العدالة.
ولولاهم، لكنت اليوم أروي لكم تجربة سجنٍ بدلاً من سرد قضية حق.
ولم يكتفِ غازي بالاستيلاء على الشقة، بل لجأ إلى عمه، رئيس هيئة أراضي الدولة آنذاك، فقام بتسجيل ملكيتها باسمه، وكأنها إرث شرعي لا غنيمة مغتصبة.
ثم باعها لاحقًا.
نعم، باع البيت، وانتقل ملكه إلى شخص لا ذنب له،
وأصبحنا اليوم لا نملك حتى الحق في استعادته.
المشتري محمي بالقانون، والناهب محمي بالنفوذ وثقافة اللصوص ، وبيت والدي لا يزال ضائعًا حتى اليوم!
أما مدير أمن عدن آنذاك، محمد صالح طريق، فكنت أتردد عليه باستمرار، أحمل ملفًا واضحًا، وحقًا لا يحتاج إلى شرح.
لكنني لم أجد منه سوى التسويف والمماطلة، وكان دائم التهكم على موقفي، يردد بلا خجل:
"أنتم انفصاليون... وأين أبوك؟"
يتحدث وكأن الدفاع عن بيت العائلة جريمة، والمطالبة بالحق عبث!
ورغم كل ذلك، لم تتوقف المكافآت:
غازي كوفئ على فعلته، فتدرج في الترقيات حتى أصبح مديرًا لأمن عدن، حيث نكّل بالثوار وارتكب انتهاكات يشهد بها كثيرون، ثم أصبح وزيرًا في حكومة الحوثيين، ولا يزال أحد رموز سلطتهم حتى اليوم.
أما مدير الأمن المتواطئ، فقد أصبح سفيرًا لليمن في تركيا!
ما جرى ليس حادثة فردية… بل منهج متكامل من الفساد المحمي.
حيث تتحوّل الجريمة إلى وظيفة، والنهب إلى مسار مهني، واللص إلى "باسط" تحميه الدولة، ويُلمّع في الإعلام، ويُكافأ في المناصب.
لقد تحوّلت جريمة اقتحام ونهب البيوت والأراضي إلى ثقافة راسخة، تتستر عليها السلطة، وتغضّ عنها الأبصار.
كفى.
لقد آن الأوان لتسمية الأمور بمسمياتها:
اللص ليس "باسطًا"، والبيت المسروق ليس "حق حفاظة"، وتلك الجرائم لا يُسقطها الزمن، ولا يُغطيها الصمت.
يجب فضح كل من نهب منذ 1994 وحتى اليوم.
فما لم نواجههم بالحقيقة،
سيظلّ السرطان يأكل ما تبقّى من عدن… ومن كرامتنا.