*- شبوة برس – محمد علي محمد أحمد
عدن، عاصمة الجنوب ومنارة تاريخه، تتحول كل يوم إلى مدينة تُغرقها العتمة، وتخنقها الحرارة والرطوبة والفساد. لم تعد المشكلة في انقطاع الكهرباء فقط، بل في انقطاع الرحمة والضمير، حتى صار الظلام وجعًا يوميًا وعقوبة جماعية لشعب صابر يتجرع القهر منذ سنوات.
المدينة الساحلية التي كانت تضج بالحياة، باتت اليوم تُقاس معاناتها بعدد ساعات الانطفاء، بينما ساعات التشغيل أصبحت حدثًا نادرًا يُقدَّم على أنه إنجاز منقذ. يمضي المواطن ليله بين اختناق وأرق، ونهاره في لهب لا يُحتمل، فيما الأطفال والمرضى وكبار السن يدفعون الثمن الأفدح.
وفي المستشفيات التي تكافح لإنقاذ الأرواح، المياه على وشك الانقطاع، والاتصالات تتهاوى، وكل شيء في عدن يحتضر ببطء، بينما المسؤولون يعيشون في قصورهم المكيفة، يوزعون التصريحات والوعود، ويواصلون الكذب كما لو أنه سياسة دولة.
كيف لعاصمة يفترض أنها مؤقتة للحكومة أن تُترك لتغرق في ظلام دائم؟ وأي ذنب ارتكبه أهلها ليُعاقَبوا بحرمانهم من أبسط مقومات الحياة؟
لقد تجاوزت الكارثة حدود الفشل الإداري إلى مستوى الجريمة الإنسانية. فحين يتحول الحرمان إلى سياسة ممنهجة، ويُترَك الناس للموت عطشًا وحرًا وظلامًا، تصبح الاستقالة أقل ما يمكن تقديمه، وتغدو المحاسبة واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا.
عدن لا تطلب المستحيل، بل تطلب فقط أن تعيش. تطلب أن ترى نورًا، أن تتنفس هواءً، أن تنعم بحياة تليق بتاريخها ومكانتها. أما الذين حولوا عدن إلى جحيم، فمهما طال ليلهم، ستشرق شمس العدالة، ولن يبقى أحد فوق الحساب.