عدن لا يمكن أن تتحمل أكثر مما تحملته بعد اليوم

2013-10-10 17:11

بعد انتهاء كل فعالية أو مناسبة من المناسبات والمعروفة بالمليونية يعود بعد انتهائها الى قراهم واريافهم سالمين ويبقى أبناء عدن بعدها هم من يدفعون الثمن من أرواحهم حتى يحين موعد إقامة فعالية جديدة أو مهرجان جديد التي تتم بموافقة وحماية السلطة المحلية واجهزة الأمن .

 

من المعروف تاريخيا أن عدن وبعد أن أصبحت في ظل الوجود البريطاني وتحويلها الى منطقة حرة بعد إنشاء مصفاة البريقة النفطية وتطور ميناءها إلى ميناء عالمي , وجعلها مستعمرة تابعة للتاج البريطاني تدار من قبل شركة الهند الشرقية الى أن تم انضمامها الى حكومة اتحاد الجنوب العربي الذي يضم سلطنات ومشيخات المحمية الغربية بينما كانت سلطنات المحمية الشرقية ( القعيطية والكثيرية والمهرة ) خارج ذلك الاتحاد حتى سقوطها بيد الجبهة القومية 1967 م عند ذلك توحدت المحميتين وشكلتا جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية .

 

وفي الوقت الذي أعطت السلطات البريطانية جل اهتمامها بمستعمرة عدن وتطويرها فقد أهملت بقية مشيخات وسلطنات المحميات الشرقية والغربية وأبقتها في حالة من التخلف الرهيب على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية حتى خروج اخر جندي بريطاني وإسدال الستار عن أضخم قاعدة بريطانية في العالم التابعة لأعظم إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس لمرحلة طويلة من الزمن واستمرت السلطات البريطانية طيلة وجودها تحكم تلك المحميات باستثناء عدن عبر المشايخ والسلاطين المرتبطين معها بمعاهدات جائرة كانت أخرها معاهدة الاستشارة التي اصبح بموجبها المستشار البريطاني هو الحاكم الفعلي الذي يدير شؤون هذه المشيخة أو تلك السلطنة وكان اخر ما جاء في تلك المعاهدة انتزاع السيادة الوطنية من أيدي المشايخ والسلاطين عدى الشؤون الداخلية الهامشية .

 

لم  تقدم السلطات البريطانية أي دعم أو التزامات للنظام الجديد في عدن الذي لم يجد له من داعم ومن معين في ظل الحرب الباردة سوى التوجه الى مصر عبد الناصر الذي مثل نظامه الوسيط الوحيد الموثوق به بين الانطمة التحررية والمنظومة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتي الذي دائماً ما يدعم حلفاؤه وأصدقاؤه اقتصاديا وعسكري بل بالتقر والتقطير بالقروض التي اثقلت كاهل شعوب المنطقة ومنها الجنوب.حتى أصبح الوجود الروسي مثار سخرية وتندر المواطنين وهذه حقائق , فعلى سبيل المثال عندما يصل أعضاء الوفود السوفييت الى عدن مصحوبين بزوجاتهم يستقبلون بكل حفاوة وترحاب فيبرز للعيان الكرم العربي الحاتمي فما أن تنتهي الزيارات تكون زوجات أعضاء الوفود محملات بالهدايا كالأساور الذهبية وتتلألأ أعناقهن بالجواهر وبالعقود الذهبية والفضية وغير ذلك . أما الأزواج  فنصيبهم أغلى الهدايا والمصنوعات الفضية كالسيوف والجنابي والسلاحف المحنطة والباهظة الثمن .

 

بينما الوفود المتوجهة من عدن الى موسكو دائما ما تحتوي حقائبهم بعدد من مؤلفات وصور لينين وماركس. في مرة من المرات خرج أحد المستشارين العسكريين الروس في مطار الريان برفقة زوجته الى ساحل روكب بهدف شراء سمك (الباغة) سأل الصياد عن الثمن فأخبره كل خمس من الباغة بشلن, طالبه الروسي بأن يخفض الا ان الصياد أصر على التسعيرة وبعد محاولات يأسه وافق على ذلك غير أن زوجته تقدمت الى الصياد في محاولة منها لإضافة حبتين باغة من شان صداقة فرد عليها واه ! ( وبأستغراب شديد ) حبتين باغة من شان صداقة ؟ عندنا في روكب ماشي صداقة مع السلامة .

 

حقيقة لقد خلفت بريطانيا عند خروجها من عدن خزينة فارغة وتخلف عام وشامل في جميع مناطق الجنوب وحضرموت وبسبب حداثة المسؤولية الحكومية عند أغلب المكلفين وصغر سنهم وكذلك المزايدة الضاربة اطنابها في جميع المحافظات خاصة بعد أن اصبح شعار كل الشعب جبهة , اضافة الى هروب رجال المال باموالهم الى اليمن الشمالي وبلدان الخليج على ضوء قرار التأميم الذي كان السبب في تدمير الجهاز الاداري السابق والمتطور ومغادرة موظفيه خارج الوطن فحلت محله تلك الجحافل القبلية الزاحفة من كل حدب وصوب وفي حالة من المزايدة الزائفة والمفرطة , وهذا ما يذكرني به الزاحفون اليوم في اتجاه عدن وبأعداد مليونية تحت شعار الحراك الجنوبي والقضية الجنوبية واستعادة الدولة الجنوبية .

 

الغريب أن في مقدمة هؤولاء الزاحفين من حكموا الجنوب وفي غفلة من الزمن بعد كارثة يناير 1986 م لفترة لا تتجاوز الثلاثة أعوام فتمت هزيمتهم عام 94 م لم يدافعوا عن مناطقهم ولا عن عاصمة الجنوب عدن والمكلا عاصمة حضرموت.

 

فالخوف والجبن كان السبيل الوحيد للهروب بجلودهم سالمين  وها هم اليوم لكي يغطون فضيحتهم تلك يزحفون على عدن ومن خلفهم من الاغبياء والسذج والمخدوعين بالشعارات التي تغازل عواطفهم ومشاعرهم البريئة .

 

ان زحفهم هذا يذكرني بزحفهم في اتجاه عدن عند الاستقلال, وزحفهم مرة أخرى هروبا وتائهين الى كل حدب وصوب بعد هزيمة 94 م كما يذكرني أيضاً بزحف قبائل حاشد وبكيل وغيرها في اتجاه صنعاء ونهبها واستباحتها بعد اغتيال الإمام يحيى حميد الدين , وقد كرروا ذلك الزحف مرة أخرى ولكن في اتجاه عدن تحت شعار ( من أجل الوحدة ومنع الإنفصال ) فتم نهبها واستباحتها وتشريد أهلها وقهر واضطهاد من تبقى منهم .

 

فالزحف فالزحف على عدن ليس بغريب ولا بجديد وسكان عدن. في العام 1840 م اي بعد ثلاث سنوات من الاحتلال البريطاني حاول أحد رجال الدين الذي جمع اكبر عدد من رجال القبائل القريبة من عدن والزحف بهم الى عدن لقتال الكفار والمحتلين بعد أن اقنعهم بأن رصاص وقنابل ومدافع  هؤلاء الكفار سوف ترتد إلى صدورهم. غير أن هذه الحملة وهذا الزحف الذي قام به الشريف اسماعيل قد تمت ابادتهم تحت أسوار جبل حديد وبوابة جبل شمسان المدخل الرئيسي لمدينة عدن ( كريتر) القديمة ولم ترتد لا القنابل ولا الرصاص الى صدور الكفار وقائدهم الكابتن ( هنس ) .

 

فها هو اليوم علي سالم البيض يكرر نفس الدور الذي قام به الشريف اسماعيل قبل 164 سنة وهو يدرك جيدا وأكثر من غيره بأن عدن هي الميناء وأن الميناء هو عدن , وبدون الميناء فعدن قرية متخلفة تقع تحت سفوح الجبال المحيطة بها وبخلجانها. فعدن لا تنتج شيئا ماءها يأتي من خارجها وعندما تتعرض للحروب والصراعات سرعان ما يتم قطع المياه عنها ذلك ما حدث بوجود علي البيض أثناء حرب صيف 94 م . كما أن احتياجات سكانها من الخضار والفواكة أيضا يأتي من خارجها خاصة من لحج وأبين .

 

نعم عدن كانت ميناء عالمي في ظل الوجود البريطاني  ولم يعد لها وجود بعد ذلك لا في ظل حكم الجبهة القومية والحزب الاشتراكي بعد اغلاق قناة السويس , كما لم يعد لها وجود في ظل حكم الغزاة الجدد الذين زحفوا عليها واستباحوا راضيها ونهبوا ثرواتها والممتلكات العامة والخاصة وهاجموها من كل الاتجاهات كأسراب الجراد الجائع الذي حولها الى أرض جرداء لا حياة لمن يعيش فيها .

 

أن عدن ايها الزاحفون لا تستطيع بعد اليوم ان تتحمل اكثر مما تحملته من كوارث ومصائب ومن خراب ودمار وحدكم من كنتم السبب في خرابها ودمارها وحولتموها ومن جاء بعدكم الى قرية من قرى الارياف المحيطة بها بل أصبحت أقذرعاصمة عربية لقد أمتلأت شوارعها بالنفايات وأكوام القمامة ومخلفات المخارج المنزلية وكذلك البلاليع والبيارات المفتوحة والبرك الملوثة المنشرة في كل المديريات والشوارع والطرقات .

 

أما الواقع الاجتماعي فقد تميز بالبؤس والفقر والنفوس المحطمة والبطالة والانهيار في القيم الدينية والانسانية والاخلاقية , واخر ما في واقع عدن اليوم التدهور الكبير في العملية التعليمية والتحصيل العلمي وغياب التربية داخل المنازل والمدرسة التي أصبحت مغلقة أغلب أيام الأسبوع وكذلك انحراف الطلبة والأدمان على تعاطي المخدرات وأزدياد ظاهرة البلطجة بين صفوفهم بعد أن ترك لهم الحبل على الغارب خاصة بعد وجود العصيان المدني, يغلقون الشوارع والاحياء بالاحجار والاطارات المحترقة وهم في حالة من النشوة وفي أيديهم الحجارة يهددون من لم يغلق محله التجاري أو بقالته وأكشاك الخضار والفواكة وكذلك وضع الحواجز أمام سيارات المواطنين ومنعهم من الذهاب الى مقر أعمالهم أو متابعة حاجاتهم حتى لو كانت لإسعاف مريض الى إحدى المستشفيات , ومن يحاول تجاوز هذه الحواجز المنتشرة هنا وهناك سرعان ما تنهال عليه الحجارة من كل الاتجاهات .

 

هذا هو واقع عدن اليوم أيها الزاحفون الواهمون , ارحموا عدن وأرحموا أهلها , عودوا الى صوابكم , عودوا الى قراكم وأريافكم وأتركوا عدن لاهلها , لن تجدوا في عدن شيئا يلبي رغباتكم ولن تستطيعوا ان تقدموا لها شيئا لا لكم ولا لسكان عدن , فعدن مدمرة , حزينة بائسة . فيا أيها الغزاة القدامى والجدد ايها الزاحفون من الفريقين ايها المتحاورون داخل القاعات والغرف المغلقة في العاصمة صنعاء تحت شعار الحوار الوطني الشامل ان الحل الوحيد الذي لا بديل عنه هو إعادة الأوضاع في جنوب الجزيرة العربية الى ما كانت عليه في الماضي, إلى ماقبل العام 67 والذي يتمثل في ( 1- الجهورية العربية اليمنية 2- الجنوب العربي 3- دولة حضرموت التاريخية )اي اقامة دولة فدرالية مزمنة لهذه المكونات لفترة لا تتجاوز الخمسة أعوام بعدها يتم الاستفتاء حول تقرير المصير.

 

توقعات يجب أخذها بعين الاعتبار

 

- ان الابقاء على المركزية وهيمنة القبيلة والنفوذ العسكري والفساد اي البقاء على الوضع الحالي لن يجلب سوى الخراب والدمار للأرض والانسان. ان الابقاء على شعار الوحدة او الموت لا يمكن أن يصمد الا في عقول المجانين أو من به لوثة عقلية من الناس . الجميع يدركون أن أهداف رافعي هذا الشعار تتمثل في أشياء أخرى غير الوحدة وفي مقدمتها المصالح التي تراكمت لديهم بسبب هذه الوحدة التي يتحدثون عنها و يعتقدون بأنهم يتحدثون مع اناس لا عقول لهم ولا مشاعر واحاسيس ولا كرامة لهم يحمونها ويحافظون عليها من شرور البشر.

 

- ان عسكرة محافظات الجمهورية وتوزيعها الى مناطق عسكرية لن تكون نتائج ذلك سوى الحروب والصراعات ودوامات العنف لن تستثني منطقة واحدة من هذه المناطق .

 

- اساليب اللف والدوران ومغازلة دول أمريكا وأوروبا والدول العربية الاقليمية في محاولة لاقناعها حول افضلية بقاء الوحدة فان نتائجه وتداعياتها ستكون كارثية للجميع .

 

ان كل ادعاءات المتنفذين الفاسدين والمنافقين في النظام بأن الأمن والاستقرار لن يحدث الا في ظل الوحدة القائمة . نقول ذلك بعد أن استمرت عدن ساحة مفتوحة للحروب والصراعات القبائل الجنوبية والشمالية طيلة نصف قرن من عهد الثورات وتحت جملة من الذرائع والحجج والشعارات الكاذبة تارة باسم الحفاظ على التجربة الاشتراكية والتقدمية في الجنوب وتارة أخرى باسم الحفاظ على الجمهورية اليمنية ومحاربة الرجعية وعدم السماح بعودة حكم الامامة بالحروب ضد الملكيين مع العلم ان تلك الجمهورية قد انتهت أصلا بعد مؤتمر المصالحة بين الملكيين والجمهوريين بعد حروب طاحنة دامت أكثر من ثمان سنوات .

 

وتارة ثالثة تحت شعارات حماية الوحدة ومنع الإنفصال ذلك ما حدث نتيجة لحرب صيف 1994م. مع أن كل أسباب وحجج وذرائع ومبررات تلك الحروب والصراعات معروفة للقاصي والداني وكذلك الأهداف التي تكمن للوصول إلى السلطة والنفوذ وأولاً وقبل أي شيء أخر الفيد ولا شيء غير الفيد, الفيد الذي يعتبر من سمات وصفات اليمنيين وسلوكهم التاريخي, فالفيد والإنسان اليمني صنوان لا يفترقان, فأينما يوجد الفيد وكذلك الفساد يوجد اليمني. وغير ذلك أحلام وأوهام وسراب لا يصدقها سوى السذج والبسطاء من الناس مثلما هو جاري اليوم في مقرات وقاعات المؤتمرات:   لانا قبيلي  ولانا قبيلي لحد          ما دولتي إلا من ملاء جيبي قروش

 

إن عدن أيها المنافقون جميعاً داخل اليمن وخارجه لم تعد قادرة على تحمل مزيداً من المصائب والكوارث التي كانت من صنع أيديكم الآثمة. والتي جعلتوا منها في الوقت الحاضر عبارة عن قرية موبؤة تنتشر فيها أكوام هائلة من القمامات التي تتكاثر بداخلها كل أنواع الحشرات والقوارض الناقلة للأمراض القاتلة حتى الكلاب المسعورة صدرتموها إلى عدن وبسببها انتشر مرض داء الكلب خاصة بين أوساط الأطفال والنساء والشيوخ, إضافة إلى تفشي كل أنواع الظواهر المرضية التي نخجل من ذكرها.

 

فلا يمر يوم من أيام عدن الحزينة والبائسة إلا وتواجه كل أشكال الأحقاد وكراهية غاصبيها, فلا مياه ولا كهرباء ولا وظائف لعشرات الآلاف من العاطلين عن العمل خاصة بين أوساط الشباب الخريجين إضافة إلى انتشار الجريمة وانعدام والاستقرار.

 

ختاماً:

إن كل ما ذكرناه آنفاً يعتبر بمثابة رسالة صريحة موجهة إلى رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي وممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر وكذلك المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني الجاري في الوقت الحاضر بأن يتحملوا مسؤولياتهم الإنسانية والأخلاقية لإخراج الأوضاع المتدهورة في الوطن كله وعدن على وجه  التحديد وأخذ كل ما تطرقنا إليه بعين الاعتبار قبل فوات الأوان. أللهم إني بلغت, أللهم فاشهد.