إن التعايش بين الأديان هو نفسه التعايش الثقافي والحضاري ، كما أنه يسعى إلى خدمة الأهداف السامية التي يهدف إليها الإنسان ؛ كما أن ديننا الحنيف حثنا على أهميه التعايش مع بقية الأديان ، حيث جاء في قوله تعالى : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ).وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ). وقوله تعالى : ( لكم دينكم ولي دين ). كل هذه الآيات الكريمة تبين لنا مقصد القاعدة الشرعية بأن دين الإسلام يأمر بالتسامح والتعايش مع بقية الأديان السماوية وعدم الاعتداء على غير المسلمين .
الكنيسة في عدن والتعايش الديني :
تعد مدينة عدن الوحيدة بين كل مدن شبه الجزيرة العربية التي تتميز بوجود معالم دينية تتصل بكل العصور ؛ حيث احتضنت كل الأديان السماوية وحتى الوضعية ، حيث توجد المساجد التاريخية كمسجد أبان ، والكنائس والمعابد اليهودية ، والهندوسية ، وكل ذلك شاهد على أن عدن الحرة مدينة التسامح والتعايش الديني والعرقي . والكنيسة في عدن ليست رمز للاستعمار ولا للتنصير ، كما يظن الكثير للأسف ، وإنما هي رمز لتعايش الأديان والأعراق ، كما أن عدن والجنوب عامة كانت ملتقى الأديان السماوية وشاع فيها روح التسامح والتعايش بحكم موقعها على طرق التجارة العالمية ، والدليل تعد أكثر منطقة في جزيرة العرب سكانها خليط من كل الأعراق أختلط سكانها بكل الأجناس وشيء طبيعي أن يتأثرو و يؤثرون . ولم تشهد عدن انتهاك أو اعتداء على أي طائفة رغم كل الأحداث والصراعات السياسية التى عصفت بها إلا أن تم ضم الجنوب العربي إلى اليمن قسرا تحت حجة الوحدة وضم الفرع للأصل !!
عدد كنائس عدن :
تشير المصادر والدراسات الاجتماعية إلى أن عدد الكنائس في عدن يزيد على العدد المتبقي حالياً ، حيث تشير إلى أن أول كنيسة كانت في عدن هي كنيسة الموحدين وهم طائفة من الطوائف المسيحية العربية لا تؤمن بالتثليث الدارج في الكنيسة الكاثوليكية وغيرها من الكنائس التي تتبع روما
كنيسة سانت أنتوني ، بحي البنجسار التواهي .
كنيسة المسيح ، رأس مربط التواهي
كنيسة حافون ، المعلا
كنيسة سانت جوسيف كريتر
كنيسة سانت أندروز قرب المطار في خور مكسر
كنيسة البادري كريتر
حرية الأديان في عدن الحرة بعد الوحدة مع اليمن :
إن حرية العبادة وتعدد الأديان غير معترف بها في الدستور اليمني بشكل صريح ، والدليل ما جاء بنص المادة (183), حيث تنص على أن تلتزم الدولة باتخاذ تدابير تشريعية لتعزيز حرية الأقليات إن وجدت ! فلقد أشار مضمون النص إلى عدم اعتراف الدولة اليمنية بوجود أقليات دينية ! فالنص يشير بشكل واضح إلى عدم اعترافه بالموجودين حالياً وإلا لما استخدم المشرع اليمني عبارة تشكيك بوجودهم ، بمعنى أن الحكومة اليمنية لا تعترف بوجودهم حالياً .وهذا التشكيك من المشرع الواضح رغم وجود الأقليات الدينية من قبل صدور أول دستور حتى في اليمن توجد ديانات غير الإسلام فلماذا يقول إن وجدت ؟! ، هذا دليل على عدم اعترافهم ! فكيف لدولة تسن قوانين ولا تعرف مجتمعها (إن وجدت تشكيك صارخ بعدم الاعتراف بالموجودين حالياً )!؟ بينما كل الدساتير العربية تخصص لوائح ومواد تقنن فيها حماية حرية المعتقدات وتكفل الدولة الضمانة الكافية وتسن قوانين الأحوال الشخصية لغير المسلمين حتى لو كانو مقيمين .
إن السلطات التي حكمت عدن بعد حرب 94 ، قضت على التعايش الذي عرفته عدن الحرة ، لم تشهد عدن أي توتر ديني إلا بعد الوحدة مع اليمن ! تم إقفال معظم الكنائس , ما عدا الكنيسة الكاثوليكية في منطقة البنجسار بالتواهي ، ومن جرائم الاعتداء على المقدسات الدينية في عدن بعد الوحدة مع اليمن ، تم طمس وتزوير كنيسة قديمة تسمى البادري تم استبدالها بسوق لتاجر من المتنفذين التابعين لنظام صنعاء وأخواتها حيث طمست معالمها وبني مكانها مركز تجاري الحاشدي قرب المتحف الحربي ؟!!
الانتهاكات التي تعرضت لها كنائس عدن بعد الوحدة مع اليمن :
تم الاعتداء على الكثير من قساوسة الكنائس ، حيث تم قتل ثلاث راهبات كاثوليكيات ، على يد أحد أعضاء التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن ) ،بحجة أنهم يدعون للتبشير بالمسيحية في الأوساط اليمنية !! كما تم تدمير كنيسة كاثوليكية قديمة في حي المعلا وتم نهم محتوياتها . كما تم تهجير واضطهاد العديد من الإرساليات التي تقوم بأعمال إنسانية ليس لها علاقة بالتبشير . ثم كملوها في ارتكاب أبشع مجزرة حيث أقدم إرهابيين التابعين للتنظيم العالمي إخوان اليمن طبعاً بمعاونة شريكهم الجديد و بما يعرف بالتنظيم السري للإخوان المسلمين , في مارس 2016, أقدموا على إعدام ( 16)، شخص والتي عرفت بمجزرة دار المسنين ( دار الأم تريزا ) , وأغلبهم متطوعين من أصول آسيوية مسيحيين ، حيث تم إعدام النزلاء مع القائمين عليهم بطريقة وحشية لم تحدث في تاريخ الجنوب من قبل .
الباعث كان ليس فقط قتل من هم غير مسلمين ولكن كما يعرف الجميع أن حزب الإصلاح (أخوان اليمن ) ،بعد فقدانه السيطرة على عدن بشكل مباشر فقدوا صوابهم بالمرة وكل الجرائم التي تحدث لكي يوحون للعالم أن عدن لا تحترم حقوق الإنسان ويتم اضطهاد الأقليات الدينية بعد خروجهم منها والفوضى التي مازوا يرتكبونها دليل قاطع على تورطهم وإن كانون يستخدمون بعض الجنوبيين المغرر بهم بعد غسل أدمغتهم وتشبعهم بالمذهب الأخواني التكفيري لكل من يخالفهم ؛ يكفي الحملات التي يحتجون بها في كل مرة تقوم السلطات الأمنية بملاحقة و ضبط أحدى عصابات الإرهاب !! كما تم تفجير معبد الهندوس بحي الخساف في كريتر ( عدن القديمة ).
جريمة انتهاك حرمة دور العبادة والأماكن المقدسة في القانون الدولي الجنائي :
تكفل الدول حرية وحماية الأماكن المقدسة لكل الأديان و تنص على ذلك في دساتيرها ، مستمدة هذة الحماية من الإعلانات والمواثيق الدولية ، فقد أكدت المادة (18 )، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عن حق كل فرد في حرية الفكر والضمير والديانة ، والحق في أقامة الشعائر سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة . كما تنص المادة (27 )، من اتفاقية لاهاي، انه يجب حماية الأماكن المقدسة وعدم المساس بالأماكن المعدة للعبادة ، والآثار التاريخية .
كل دساتير الدول بستثناء اليمن , تجرم الاعتداء على دور العبادة بل وتجعل العقوبة مشددة وذلك لقدسية المكان .
الخلاصة :
لقد حافظت عدن الحرة عاصمة الجنوب العربي ، على مكانتها التاريخية العريقة كموطن للتنوع والتعايش والتسامح الديني ، ضمت مكونات عرقية وأثنية وفكرية من شتى صقاع الأرض ، بحكم موقعها المتميز كميناء حر حيث كان يأتيها الناس من كل مكان وتعايشوا مع أبنائها بل أصبح الكثير منهم جزء لا يتجزء من نسيجها الاجتماعي المتنوع الفريد بين كل مدن الخليج العربي .
كان ومازال وسيظل بإذن لله كذلك لن تغيره عمليات الطمس والتزوير والتحريف الممنهج من قبل سلطات الاحتلال ، مهما حالفهم الحظ لفترة وجيزة ، وذلك لأن الحقائق تبقى حقائق ولا بد للحقيقة أن تظهر مهما تكتم عليها المحرفون والمزورون .
ولأن عدن من أسمائها عدن الحرة ، وعدن أوسان فرغم الطمس لحضارتها القديمة عدن أوسان وتحريفها إلى حضارة اليمن مازالت العديد من الشواهد باقية وإن كانت محرفه الصهاريج وغيرها رغم تحرفيها ونسبتها إلى حضارات أخرى إلا أنها مازالت قائمة وستبقى كذلك باذن لله؛ مهما حاولت الأطراف التي لا تريد الاستقرار للجنوب العربي وعلى وجه الخصوص عاصمته عدن الحرة ، لا تريد لها الاستقرار وهذا واضح من الحملة الشرسة ضد عدن من خلال تشويه سمعتها وإظهارها أمام الرأي العالمي على أنها مدينه الإرهاب لا يوجد تعايش أو تسامح ديني، بعد فشلهم بضمها إلى باب اليمن مرة أخرى بالقوة .نقول لهم كل ما فعلتوه من تدمير بمعالمها الحضارية والثقافية والدينية لن يغير من مكانة عدن الحرة بين الأمم بل بالعكس من ذلك سيكون بصمه عليكم وليس لكم وخير شاهد للأجيال القادمة على جرائمكم بحق عدن وشعبها ؟! فالكل قد عرف عدن قبل الوحدة مع اليمن وأكيد لاحظ الفرق الشاسع بعد الوحدة مع اليمن !
*- المحامية نبيهه صالح
*- شبوه برس – عدن حرة