كشفت مصادر يمنية ودولية لـ«الشرق الأوسط» أن عدد المهاجرين الأفارقة الذين وفدوا إلى السواحل اليمنية خلال العام الجاري بطريقة غير شرعية، وصل إلى أكثر من 76 ألف مهاجر، أغلبيتهم من الإثيوبيين والإريتريين، في ظاهرة خطيرة تهدد اليمن وجميع دول الخليج والأمن الإقليمي العربي. وقالت المصادر إن جهات ومنظمات دولية على صلة بعمليات تهريب الأفارقة غير المسبوقة إلى اليمن، مشيرة إلى أن تلك الجهات التي لم تسمها تعمل بمساعدة جهات محلية في شبوة والحديدة وبقية مدن اليمن الساحلية، وتقوم بنقل المهاجرين الأفارقة إلى المناطق التي تخضع لسيطرة الميليشيات الانقلابية، وإدخالهم في معسكرات تدريبية، حيث يتم استخدامهم مقاتلين مرتزقة ضد قوات الشرعية والرئيس هادي. ولفتت إلى أن أعداد المتدفقين الأفارقة إلى اليمن بطريقة غير شرعية في ازدياد غير مسبوق، ويصل عددهم إلى أكثر من 76 ألفا، وباتت مسألة المهاجرين الأفارقة قنبلة موقوتة تهدد اليمن والخليج، داعًيا إلى وقف عمليات التهريب الممنهجة وضرورة تدخل عاجل من الأمم المتحدة ودول القرن الأفريقي، لإيقاف ما يمكن إيقافه. وكان قائد «اللواء 19 مشاة» في بيحان، العميد مسفر الحارثي، قد أكد في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» وجود مقاتلين مرتزقة من الأفارقة في صفوف الميليشيات الانقلابية، وأن قتلى وجرحى منهم لقوا مصرعهم في معارك بيحان مع الانقلابيين، وهو الأمر الذي أكدته تصريحات إعلامية عن مدير أمن محافظة شبوة في وقت سابق. وفي تقرير سابق لها، نشرت «الشرق الأوسط» وثائق وأدلة تثبت وجود مقاتلين أفارقة في صفوف الانقلابيين، بينهم مقاتلون مرتزقة إريتريون وإثيوبيون يحملون بطاقات عسكرية تؤكد انتماءهم لوحدات عسكرية ببلدانهم، وعن ضلوع جهات ومنظمات محلية ودولية في تهريب المقاتلين المرتزقة إلى الحوثيين. وفي تعليق له على الظاهرة، قال المحامي صلاح الدياني، إن الهجرة غير الشرعية للإثيوبيين إلى اليمن تعتبر مشكلة كبيرة لها آثارها السلبية البالغة على المجتمع من جهة، وهو الذي يعاني في الأصل من صعوبات كبيرة بسبب الحرب التي تدور رحاها في البلاد، وعلى المهاجرين من جهة أخرى، كون الهجرة غير الشرعية تجعلهم عرضة لكثير من الانتهاكات وإهدار حقوقهم الأصيلة بوصفهم بشرا، إضافة إلى عدم حصولهم على ضمانات الحماية من أي تعسف، وقد يكون ذلك بسبب عزوف المهاجر عن التبليغ عما قد يلحق به من انتهاك بسبب خوفه من الملاحقة، وكون دخوله البلاد جاء بطريقة مخالفة للقانون. وأردف في حديث لـ«الشرق الأوسط» قائلاً، إن دخول المهاجرين غير الشرعيين يعد جريمة يعاقب عليها القانون، ولكن الأوضاع التي خلفها الصراع وتوقف عمل كثير من أجهزة الدولة بما فيها القضاء، عطل عملية ملاحقة أولئك المهاجرين وتقديمهم للعدالة لدخولهم البلاد خلافا للقانون. و«رغم ذلك فإننا اليوم إذ نقف أمام هذه المشكلة الكبيرة، يجب على الجميع تحمل المسؤولية لوضع حد لتلك الهجرة، مع معالجة النتائج والآثار السلبية التي أنتجتها، مع التشديد على ضرورة مراعاة الجوانب الإنسانية في التعاطي معها». وناشد المحامي الدياني بتكثيف الجهود للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي تزيد الأوضاع سوًءا في اليمن، والوفاء بالتزاماتها التي قطعتها لقيادة محور عتق، وذلك بتوفير الدعم لإغاثة المهاجرين الذين تم إيواؤهم في مخيم الإيواء، الذي أقامه محور عتق كإجراء مؤقت تمهيدا لإعادتهم إلى موطنهم. ولفت في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى نقص حاد في الغذاء والمياه والملابس وغيرها من الضروريات، مشيًرا إلى أن إمكانات محور عتق محدودة جًدا، وإن لم تلتزم الحكومة والتحالف بما وعدوا به في هذا الجانب، فإن أوضاع المهاجرين غير الشرعيين في المخيم ستكون كارثية، على حد تعبيره. بدوره قال الناشط المدني أحمد بن عيدروس، رئيس مؤسسة «خطوات» للتنمية المدنية، إن محافظة شبوة تشهد منذ سنوات مضت تدفق كبير للاجئين والمهاجرين من القرن الأفريقي، ولكن نتيجة للحرب الأخيرة التي اندلعت في مارس (آذار) 2015 ،ازدادت أعداد المهاجرين الواصلين إلى المحافظة، لافًتا إلى أن شبوة تعتبر واحدة من أهم المناطق الرئيسية التي يقصدها المهاجرون من القرن الأفريقي. وأضاف: «خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى نهاية سبتمبر (أيلول) 2016 ،وصل أكثر من 76 ألف مهاجر أفريقي إلى شبوة عبر البحر وبطريقة غير مشروعة، والغالبية منهم من الإثيوبيين، ولا يزال تدفق المهاجرين إلى سواحل شبوة مستمرا، وتعتبر منطقة عبور يتخذها المهاجرون في طريقهم إلى مأرب ومن ثم السعودية». وأوضح رئيس مؤسسة «خطوات» أن محافظة شبوة تعاني من أزمات إنسانية كثيرة، ولم تعد قادرة على تحمل مزيد من الأزمات، وهذه الهجرة تخلق أعباء إضافية وتسبب ضغًطا على الخدمات المحدودة أصلاً، كون أوضاع المحافظة غير مستقرة، وتفتقد الإمكانات اللازمة للتعامل مع هذه الهجرة، مشيًرا إلى أن الحرب الأخيرة دمرت قدرات المحافظة الأمنية والعسكرية، وازدادت مواطن الضعف والهشاشة، ولم تعد الخدمات الحكومية قادرة على تلبية حاجة سكان المحافظة، فكيف لها التعامل مع الأعداد الكبيرة للمهاجرين؟. وأكد بن عيدروس أن عددا من المهاجرين الأفارقة يتواجد في بعض المدن الرئيسية، مثل جول الريدة، وحبان، والعاصمة عتق، مما يضيف عبًئا على المرافق والخدمات الهشة، وتعتبر هذه المدن محطة استراحة قبل مواصلة الرحلة إلى مأرب والجوف، ومن ثم إلى السعودية. ويقال إن عددا منهم يتجه إلى محافظات شمالية، مشيًرا إلى ازدياد مخاوف السكان المحليين من ازدياد أعداد المهاجرين الواصلين للمحافظة، وينشدون باستمرار ضرورة التدخل للحد من تدفق المهاجرين. وحول مخاطر تدفق المهاجرين الأفارقة على شبوة، قال رئيس مؤسسة «خطوات» إن هناك مخاطر وتبعات خطيرة لهذه الهجرة، فبحسب مصادر طبية، يشتبه في أن المهاجرين يعانون من الأمراض المعدية، مثل حمى الضنك، والملاريا، وحمى الوادي المتصدع، وهناك اشتباه في الإصابة بفيروس نقص المناعة «الإيدز» وغيرها من الأمراض المعدية، وهذه مخاطر صحية تهدد سكان المحافظة، أيضا هناك مخاطر أمنية، فمن المرجح انتشار الجريمة، والاتجار بالبشر، وتجارة المخدرات، وهذا يشكل أعباء إضافية على المؤسسة الأمنية التي تعاني من انعدام الإمكانات وعدم تلبيتها حتى الآن. ولفت بن عيدروس إلى أن كثيرا من المهاجرين الإثيوبيين الواصلين إلى شبوة لا يحملون وثائق رسمية وبطاقات شخصية، وهذه إشكالية ستواجه الحكومة اليمنية في حال قررت حجزهم وترحيلهم إلى بلدهم، فمن المحتمل أن ترفض إثيوبيا السماح بدخولهم لعدم وجود وثائق رسمية تثبت جنسيتهم الإثيوبية. وهذه مسألة ينبغي النظر فيها باهتمام من قبل الحكومة اليمنية. ولفت إلى ضرورة دعم السلطة المحلية بالمحافظة من قبل الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي والمنظمات الدولية والخليجية، للتعامل مع هذه الهجرة، حيث إن تبعات هذه الهجرة لن تؤثر على شبوة وحدها، ولكن على المحافظات المجاورة ودول الخليج، آملا من الهلال الأحمر الإماراتي ومركز الملك سلمان للإغاثة التدخل والاهتمام بالمهاجرين عموما ودعم مراكز الإيواء. وطالب رئيس مؤسسة «خطوات» المنظمة الدولية للهجرة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمنظمات الدولية المعنية بالمهاجرين، بالاهتمام بمسألة المهاجرين في شبوة، وقال: «أتمنى من المنظمات الدولية فتح قنوات تواصل والتنسيق مع السلطة المحلية بالمحافظة»، كما شدد على ضرورة تعاون كل الأطراف، من الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي.