رحلة المليون مطب.. من عدن إلى المكلا الخط ‘‘دويل‘‘ وليس دوليا..

2017-11-21 07:03
رحلة المليون مطب.. من عدن إلى المكلا الخط ‘‘دويل‘‘ وليس دوليا..
شبوه برس - خاص - عدن

 

في أبين تقهرك مشاهد الفقر والدمار ومن شبوة إلى حضرموت تأسرك المناظر الخلابة

يدلف المسافر بسيارته من عدن إلى المكلا، ثاني أكبر مدن الجنوب، وأكثرها ازدهاراً.. تغمرك مشاعر الفرح ولهفة الوصول إلى تلك المدينة الساحرة، فالطريق وحده مليء بالمناظر الطبيعية الخلابة لبيئة عذراء لم تمسها يد البشر منذ الخليقة على طول الطريق.

 

وبعد منطقة العريش في عدن تدخل على الخط الدولي ذي الستة خطوط، ثلاثة في كل اتجاه، فيزداد شعورك بالراحة وأنت تقود سيارتك حتى تصل إلى أول الكثبان الرملية ثم الثاني فالثالث، بهضاب رملية تدفن الخط بالكامل، ويتبقى خطان فقط، واحد للخروج والآخر للدخول إلى عدن.. وبعد قيادة السيارة لنصف ساعة أشبه ما تكون بلعبة فيديو يتخللها انحراف تسريعة ذات اليمين وذات الشمال يصل المسافر بحمد الله وسلامته وبعد نطق الشهادتين 500 ألف مرة طوال الطريق إلى مثلث 22 مايو، ويستقبلك دوار عليه أطلال مجسم صدئ غير مفهوم ونقطة أمنية (لاتعلم هل هم جيش، أمن، مقاومة، حزام) ملابسهم رثة ويبدو عليهم الإعياء، وكأنهم لا يتلقون كفايتهم من ماء وغذاء.. وعلى الرغم من ذلك يقومون بواجبهم، فلهم ألف تحية.

 

*أبين

بعدها تهم بالاتجاه صوب ملعب 22 مايو في الطريق الدولي الذي يتجاوز مدينة زنجبار ويختصر 20 دقيقة من المسافة لتفاجأ بالنقطة الأمنية تقول لك «مقفل منطقة عسكرية».. «منطقة عسكرية» بما معناه اتجه إلى داخل زنجبار إجباريا.

ويستطيع المسافر تمييز محافظة أبين بمنتهى السهولة، فهي محافظة المائة نقطة تفتيش، والألف مطب، والمليون حفرة على الطريق الدولي، أما المناطق التي جرفتها الأعاصير التي ضربت الجنوب في السنوات الخمس الماضية فلاتزال آثارها موجودة وتعرضها حكومتنا بفخر، وربما سيتم تخليدها كمحميات طبيعية أثرية يمنع إصلاحها!! ولا يرتدي الجنود الذين يقفون في نقاط التفتيش أي زي رسمي سوى الزي الوطني لأبين (الشميز والمقطب والآلي)، وتبدو العديد من النقاط أنها غير رسمية، ولكن تتساءل إذا لم تكن رسمية فلماذا يتواجد الأفراد في النقطة (وبالأوالي) لكنهم في جميع الأحوال يتفحصون السيارة بأدب ويودعونك.

 

يتشوق المرء لدخول زنجبار إذا لم يكن لشيء فلرؤية الطريق عند مدخل المدينة، تغطيه الأشجار الباسقة، ليكون كهفا أخضر تمر السيارة داخله.. وياللأسف فقد ماتت معظم الأشجار ولم يعد باقياً من الكهف الأخضر شيء، تدخل إلى زنجبار وقلبك يعتصره الألم لرؤية الفقر يعصف بها والمباني المدمرة فيها.

 

وبعد أن تمر فوق 37 مطبا وعدد لا يحصى من الحفر و3 دوارات في اتجاهات معاكسة وبدون أسفلت تترك مدينة زنجبار خلفك وتستمر بالمسير على الطريق الدولي باتجاه شقرة ثم أحور.

 

لا يمكن الكتابة عن أبين اليوم بدون ذكر الفقر الذي يلف أهلها وتحويل حياتهم جحيماً، كم كان مؤلما رؤية الأطفال جياع والمزارع التي كانت يوماً ما مساحات خضراء على مد البصر قد تحولت إلى مساحات جرداء غزتها الأحراش.

 

موضوع الفقر في أبين هو عار في جبين كل جنوبي. (ستقوم «الأيام» بإعداد تحقيقات متكاملة قريبا جدا عن هذا الموضوع).

 

قبل الوصول إلى أحور هناك محطة وقود يتواجد فيها البترول على الدوام بحوالي 2000 ريال زيادة على السعر الرسمي للعبوة سعة (20 لترا)، وهذه المحطة العجيبة ستجد فيها البترول دائما، حتى إذا انعدم من الجزيرة العربية كاملة، ويعرفها سائقو الطريق، وهي ذات شهرة بينهم ومن أسرار الطريق، لأن العديد من السائقين لا يتوقفون فيها بسبب شكلها المهدم الرث، ولا يوجد ما يدل على أنها محطة وقود سوى مضختين.

 

وعند الخروج من أحور، آخر مدن أبين على الخط الدولي، كان هناك قطاع قبلي قطع الطريق أمام الشاحنات، لكنهم سمحوا بمرور سيارات الركاب الشخصية والباصات وارتصت على جانبي الطريق ما يزيد على 100 قاطرة في الاتجاهين محملة بشتى أنواع البضائع والمحروقات، غمرني شعور بأن قطع الطريق أبسط حق من حقوقهم بعد كل ما رأيت.

 

*شبوة

بعد الخروج من أحور - عبر الخط الدولي الساحلي - وبمسافة بسيطة، ثم إلى محافظة شبوة، وهو أصغر جزء على الطريق والأجمل على الإطلاق.. البحر والسواحل ذات الرمال البيضاء على مد البصر على يمينك والجبال على يسارك، ولا توجد مطبات وحالة الطريق مقبولة باستثناء ثلاث مناطق جرفتها الأعاصير، الأولى طولها 1.3 كيلومتر والثانية 400 متر والثالثة 1.8 كيلومتر.

يمتد الطريق من أحور إلى مثلث بلحاف حوالى الساعتين، لا تستطيع خلالها سوى التسبيح بقدرة الله على خلق تلك المناظر الطبيعية، ويخرجك من التسبيح لله الطيران فوق مطبين اثنين تم تمويههما باحتراف أو الوقوف في إحدى نقاط التفتيش التي تتعامل مع المسافرين وتتم عملية التفتيش بمنتهى الاحترافية، فالجنود يلبسون الزي الرسمي، وهناك متارس وترتيب في دخول السيارات إلى مساحة التفتيش، ويسألك الجنود بمنتهى اللطف إذا أمكنك توصيل أحدهم أو أحد المواطنين العالقين معك إلى المدينة التالية، وهي عين بامعبد أو مثلث بلحاف.

 

تصل بعدها إلى مساحة جرفتها الأعاصير لا تتعدى 20 مترا، ثم محطة بلحاف لتصدير الغاز الطبيعي، وقبلها بمسافة قصيرة إلى أحد موانئ تصدير النفط المتوقف، وجميع المنشآت يعلوها الصدأ كأحد أفلام الخيال العلمي لما بعد الحرب العالمية الثالثة.

 

يلي منشأة بلحاف بحوالي 10 كيلومترات ميناء العليب الذي كان يستخدم للتهريب وتدخل بعدها في مناطق جبلية ذات صخور بركانية سوداء معلنة وصولك إلى محافظة حضرموت.

 

*حضرموت

من بلحاف إلى المكلا لا تزيد المسافة على ساعة ونصف، تبدأها بتعرجات جبلية ثم جرف طولة كيلومتران جرفه أحد الأعاصير، ثم طريق ساحلي ذي شواطئ بيضاء خلابة (يتم جرف كثبان الرمل من عليه باستمرار ويحسب هذا لمحافظة حضرموت) ثم تعرجات جبلية ثم بجرفين آخرين من جروف الأعاصير قبل وصولك إلى العديد من القرى، فبروم، ثم المكلا.

 

تتميز نقاط التفتيش من بلحاف إلى المكلا بطلب البطاقة الشخصية للتأكد من هوية السائق، وعند مدخل المكلا هناك نقطة أمنية مخصصة لتفتيش السيارات التي تحمل العائلات.

 

وبعد الدخول إلى المكلا يستقبلك الطريق الدولي بجسر على عرض الخط كاملاً لم يتم الانتهاء من إنشائه منذ 2005، وتضطر إلى الالتفاف حوله، كما يضيق الطريق الدولي داخل المكلا في منطقة الرئاسة، حيث تم حجز الخط الخارج من المكلا بالكامل وتحويل السيارات إلى الخط الآخر بالاتجاهين، على الرغم من أن انفجار قاطرة، وليس سيارة، لن يصيب مباني الرئاسة بأي ضرر لأنها تبعد حوالى 1.5 كيلومتر، وفوق قمم الجبل وليست على مستوى الشارع (فلماذا أغلق الخط؟ دعاية وإعلان للإرهابيين فقط).

 

على الرغم من كل ما سبق يظل هذا الطريق من أجمل الطرق على الإطلاق، وهو خط تجارة حيوي بين شرق الجنوب وغربه، ولا يجب السكوت على الحالة المزرية التي وصل إليها، وبالتالي فإنه يجب على الحكومة - إن وجدت رصف المناطق المجرفة بالأعاصير وردم الحفر ورصفها ورفع كل المطبات خصوصاً في أبين وحضرموت وتركيب إشارات مرورية تحذر السائقين لوجود نقاط التفتيش الرسمية.

 *- الأيام