استشهد هشام وعمره 17 سنة أثناء احتجاجات نظمها الحراك لرفض عملية القيد والتسجيل
– أدانت المحكمة أحد مرافقي مسؤول حكومي في الحادثة وحكمت عليه بالإعدام -
والد هشام يرفض الدفن وأبناء منطقته يتهمونه باستخدام جثمان ولده لمساومات
هنا المكلا / مشعل الخبجي
سقط الشاب هشام محسن احمد، الذي لم يكن قد أكمل السابعة عشرة من عمره، قتيلا منذ ما يقارب 4 سنوات، في مسيرة نظمها الحراك الجنوبي عام 2009 لمناهضة عملية القيد والتسجيل الانتخابية.
ففي أحد مراكز منطقة الملاح بردفان كان هناك تجمهر سلمي لمئات المواطنين للتعبير عن رفضهم للعملية الانتخابية ومنع دخول لجان القيد.
في تلك الأثناء، جاء أحمد الحنشي، الوكيل المساعد لمحافظة إب حينذاك، ومن أبناء المنطقة التي ينتمي إليها الشاب هشام في ردفان، رفقة عدد من المرافقين المسلحين، محاولا فرض دخول وعمل لجان القيد وسط رفض أنصار الحراك المتجمهرين حول المركز.
اندلعت مشادات بين الطرفين انتهت باستخدام السلاح من قبل مرافقي الحنشي، والذي سقط خلاله الفتى هشام محسن احمد وجرحى آخرون.
قد يقول كثير من المنتمين لجهات أو تيارات سياسية مناهضة للحراك الجنوبي إن أنصار الحراك حاولوا منع عملية القيد والتسجيل بالقوة أو كانوا مسلحين أو يحمل كل طرف الطرف الآخر المسؤولية؛ لكن ليس ذلك موضوعنا هنا، لاسيما والقضية قد اتخذت مسارا قانونيا أمام القضاء الذي أثبت واقعة الاعتداء المسلح، واتهمت النيابة 3 من مرافقي الحنشي، وأدين -بعد إجراءات قضائية مطولة- أحد المرافقين الثلاثة من قبل المحكمة الابتدائية وحكم عليه بالإعدام.
هذا التوضيح غرضه إبعاد القضية عن التأويلات أو الجدال السياسي، وبالتالي فالحديث هنا يرتبط بجوانب إنسانية صرفة.
لا يزال جثمان هشام الطفولي قابعا في إحدى خانات ثلاجة المستشفى الجمهوري، التي تفوح منها روائح تحلل الجثث الآدمية وعلى بعد أمتار من بوابتها (وهذه قضية أخرى يشكو منها الناس منذ سنوات وترتبط بأسباب أخرى كثيرة، منها سوء درجات التبريد في ثلاجة حفظ الموتى وانقطاع التيار الكهربائي وحشر أكثر من جثة في كل خانة مخصصة لجثة واحدة).
“الشارع” بدورها تتبعت تفاصيل القضية لمعرفة أسباب عدم دفن هشام محسن، ليتضح جانب مأساوي آخر.
من خلال التواصل مع عدد من أبناء منطقة الفتى القتيل، حيث الجميع مطلع على تفاصيل القضية عن قرب، اتضح أن أولياء دم الفتى لهم دور في بقاء الجثة حتى اللحظة وتحولها إلى ما يشبه المومياء.
أفاد جميع من تواصلت معهم “الشارع” بأن والد هشام يرفض استلام جثة ابنه ودفنه منذ سنوات رغم مطالباتهم له وهو المخول الوحيد بإعطاء الإذن بالدفن.
قصة هشام تثير تعاطفا كبيرا في منطقته، خصوصا بعد عرض صورة الجثة على البعض منهم.
لقد شعروا بالصدمة عند مشاهدتها، وانهال آخرون باللعنات على أولياء دم الفتى، وبشكل خاص والد الفتى، وخرج البعض عن تحفظه على غير العادة واتهموا والد هشام صراحة بأن رفضه للدفن يتعلق بجوانب مادية (تتحفظ الصحيفة عن نشر الاتهامات بالنص لعدم التمكن من الحديث مع الوالد، رغم وجود إجماع حول ما اتهم به الأب من قبل كثير من أبناء المنطقة).
نظير حسان، أحد المحامين الشبان من الذين أخذوا على عاتقهم مهمة الدفاع طوعا عن عدد كبير من شهداء الحراك في سنواته الأولى عندما كان الحراك الجنوبي يتخذ المسار القانوني إزاء قتل وجرح أنصاره، لكنه توقف عن ذلك في السنوات الأخيرة، مكتفيا بمراسيم تشييع مهيبة لشهدائه دون اتخاذ الإجراءات القانونية لدى النيابات والمحاكم تحت دعاوى أنها تمثل سلطات الاحتلال.
المحامي نظير قال لـ “الشارع”: “لم يعد هناك مبرر لبقاء جثمان هشام في ثلاجة الموتى”، معتبرا ذلك جريمة شنيعة أخرى ترتكب بحق الفتى إضافة لجريمة قتله. وأضاف: “كان والد الشهيد الطفل يرفض دفن جثة ابنه تحت حجة القبض على الجناة؛ لكن بعد إجراء سلسلة طويلة من الإجراءات القانونية والقبض على الجناة وإدانة أحدهم من قبل المحكمة الابتدائية بالإعدام لم يعد هناك مبرر على الإطلاق”. وأوضح حسان زاوية قانونية أخرى: “حتى في حال عدم القبض على الجناة تعتبر الإجراءات القانونية التي تفرض عدم دفن الجثة مكتملة من جميع الزوايا، وباكتمال تلك الإجراءات مثل قيام الطبيب الشرعي بتشريح الجثة، وتحديد سبب الوفاة ونوعية السلاح المستخدم ونوع المقذوف الناري وتحديد اتجاه وأبعاد الإصابة إضافة إلى جميع الجوانب الأخرى التي تساعد في تحديد هوية الجاني أو تساعد في الوصول إليه، يصبح بعدها دفن الجثة لا يشكل عائقا أو يسقط حق أولياء الدم في محاكمة الجناة أو تطبيق القصاص الشرعي”.
ويتابع نظير قائلا: “وبوجود كل تلك الإجراءات مكتملة، لم يعد هناك مبرر لبقاء الجثة طوال ما يقارب 4 سنوات في ثلاجة المستشفى، لدرجة اختفت معها ملامح الشاب تماما”.
وعن دوره بحكم مساعدته الطوعية في عدد من الجوانب القانونية بالقضية ومعرفته بوالد القتيل، قال بأسى لافت: “شخصيا عجزت عن إقناعه، حاولت مرارا؛ لكنه رفض، لا أريد أن أعدد لك محاولاتي المتكررة التي تصطدم بجدار صلب من الرفض دون وجود مبررات واضحة، ولا أريد أن أبتدع تحليلات خاصة بي؛ لكن المؤكد أنه لا يوجد مبرر واضح أو منطقي لرفض الأب، ويعتريني شعور بالأسف إزاء الأمر بمجمله”. وختم: “لم يعد بوسعي سوى مناشدة أقاربه وأبناء منطقته والشخصيات الاجتماعية المؤثرة التدخل بأسرع ما يمكن، وأدعو مكونات الحراك وقادته وجماهيره للضغط على أهله لدفن الفتى بعد تكريمه بجنازة لائقة كسائر شهداء الحراك”.
ولا ينبغي إغفال حقيقة أن هشام كان أحد عناصر الحراك الجنوبي وسقط شهيدا في أحد احتجاجاته التي تعتبر بالنسبة للحراك من أهم الاحتجاجات، من منطلق اعتبار فترة القيد والتسجيل والانتخابات مما ينبغي التصدي له؛ “لأنها تشرع بقاء الاحتلال في حال تمت في الجنوب”، حسب الخطاب التعبوي الشائع في الحراك والذي على ضوئه هب هشام محسن وغيره لتنظيم احتجاجات مناهضة.
(صحيفة الشارع اليوميه)