إمام الوهابية: "محمد بن عبدالوهاب" ليس رسولاً

2022-03-08 17:45
إمام الوهابية: "محمد بن عبدالوهاب" ليس رسولاً
شبوه برس - خـاص - دولي

 

العالم متسارع في تحولاته والمصالح تتبدل يومياً ووقف الاستنزاف الذي تحدثه جماعات الإسلام السياسي يجب أن يكون فوريا فهذه مرحلة من التاريخ تتطلب استحضاراً للعقول.

 

لطالما رأيت في وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الشخصية الإصلاحية الأهم في القرن الحادي والعشرين. هو من سيعمل على تغيير نمطية التفكير، من جاكرتا إلى نواكشوط، حيث ينتشر مليار مسلم.

 

ما يمتلكه وليّ العهد السعودي من وعي معرفي يستحق أن يتحوّل إلى مادة تغيير تحتفي به شعوب المنطقة، التي طالما حاولت الخروج من صراعات تاريخية قديمة، لتلج عالم الواقع والذكاء وعلوم الفضاء.

 

بجرأة عاد الأمير محمد بن سلمان بعد جائحة كورونا ليكسر التابوهات، من خلال لقاء أجرته معه مجلة ذي أتلانتيك الأميركية، متحدثا عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب بوصفه داعية كسائر الدعاة وليس رسولًا، بل باعتباره واحدا ممن عملوا في الدولة السعودية الأولى.

 

رؤية واقعية من شخصية اعتبارية ستنعكس إيجابا على النواة المتحجرة في العقل الإسلامي، لتتوالى موجات كسر التابوهات الكفيلة بإجراء مراجعات حقيقية في التعاليم الدينية.

 

◙ ثورة التنوير، التي انطلقت مؤخرا من السعودية، بمقدورها أن تحدث ما عجز عنه كل التنويريين خلال ألف عام، تأثر معظمها بمخلفات الدولة العثمانية

 

يدرك وليّ العهد السعودي أن عليه خوض معركة شرسة مع الجذور التي صنعت التشدد المذهبي، بشقيه السنّي والشيعي، ولذلك ذهب منذ البداية نحو تلك الجذور ليواجهها برؤية إصلاحية عابرة للأزمنة قبل الحدود. هذه الرؤية عبّر عنها بوضوح في لقائه مع ذي أتلانتيك المذكورة بقوله نصاً: “إن المشكلة في الجزيرة العربية كانت آنذاك أن الناس الذين كانوا قادرين على القراءة أو الكتابة هم فقط طلاب محمد بن عبدالوهاب، فتمّت كتابة التاريخ بمنظورهم، وقد أسيء استخدام ذلك من متطرفين عديدين”.

 

وواصل: “إنني واثق لو أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والشيخ عبدالعزيز بن باز، ومشايخ آخرين موجودون الآن، سيكونون من أول الناس المحاربين لهذه الجماعات المتطرفة الإرهابية. والحقيقة في الأمر هي أن تنظيم داعش لا يستخدم شخصية دينية سعودية كمثال يتبعه، ولكن عندما تموت هذه الشخصية، يبدأ عناصر داعش باقتطاع كلماتهم من سياقها، دون النظر إلى ظروف الزمان والمكان التي صدرت بها”.

 

هذا الجزء من حديث الأمير محمد بن سلمان سيكون حجر الزاوية القويّ للدفع بتجديد الخطاب الديني. إنها فرصة مواتية للتغيير وبعث الشرق الأوسط من جديد، فالفرصة المتاحة ممكنة ويجب استثمارها لمصلحة شعوب المنطقة الشرق أوسطية التي دفعت ثمنا باهظا من مقدراتها وثرواتها في موروثات وتقاليد استنزفت العقول وأهدرت النفوس ووضعت المسلمين في وضعية المدافعين عن أنفسهم، بعد أن وجدوا أنفسهم مختطفين من فئة انتهزت أكواما من غبار الأزمنة.

 

وبعد أن تمّ تعطيل العقل، كان بمقدور المتأسلمين أن يسيطروا على مستقبل الناس وتحديد مساراتهم الشخصية، وقبل ذلك الوطنية التي كانت حتى وقت قريب نقيضا للمفهوم الديني والمذهبي.

 

حالة التضاد بين الدولة كنظام سياسي والدين في الشرق الأوسط ظلت متصادمة ومنتجة للتطرف الفكري، على اعتبار أن الدين لا يمكنه التعايش في الدولة الوطنية. بينما ظلت فكرة بناء دولة الخلافة، التي لا وجود لها إلا في مخيال المتأسلمين وحدهم، آخذة في الاتساع.

 

الأمير محمد بن سلمان يدرك أن عليه اجتياز حاجز نفسي، وهو ما يفعله برعايته البناء الوطني بالطريقة الصحيحة. وما جاء في تعليقاته حول إيران وإسرائيل، يؤشر إلى سعيه الجاد لاجتياز الحاجز النفسي. فالواقعية السياسية في العلاقات الدولية هو ما تحتاج إليه المملكة العربية السعودية خلال السنوات المقبلة، واستدعاء المدرسة الواقعية بدلاً من المدرسة البيروقراطية بات المهمة اللازمة التي تستعد لها الرياض.

 

إسرائيل "حليف" محتمل.

واحدة من الموجات العالية التي تستهدف تجاوز الحواجز النفسية المتماهية مع تلك التي لا ترى في أن محمد بن عبدالوهاب وغيره من علماء الدين مجرد تابوهات صنعت وآن الأوان لكسرها وتحطيمها، بمفاعيل الوقت الذي يحتم الإسراع في التنفيذ.

 

العالم متسارع في تحولاته واستقطاباته الدولية، والمصالح تتبدل يوماً بعد آخر، ووقف الاستنزاف الذي تحدثه جماعات الإسلام السياسي وإطلاق الحريات الفكرية يجب أن يكون فوريا، فهذه مرحلة من التاريخ تتطلب استحضاراً للعقول.

 

العودة إلى الإسلام الصحيح وإزالة كل ما تراكم عليه من آراء وأفكار سلبية كفيل بالتغيير. غير أن ثمة مشكلة حقيقية في عامل الوقت الذي يمكن خلاله تحقيق هذه العودة، وهو ما يتطلب وضع أساليب مستحدثة تساعد المجتمعات على إنجاز هذا الهدف.

 

تجربتان رائدتان تمكن الاستعانة بهما لكسب عامل الوقت؛ أن يلعب الأزهر الشريف دوراً مسانداً في ذلك، إضافة إلى شخصيات مركزية في الفكر الإسلامي عاملة على تجديد الخطاب الديني. كما تمكن الاستعانة بتجربة دولة الإمارات في رعايتها لوثيقة التسامح الديني، الجانب الأهم في الاتفاق الإبراهيمي.ارا

 

◙ وليّ العهد السعودي يدرك أن عليه خوض معركة شرسة مع الجذور التي صنعت التشدد المذهبي، بشقيه السنّي والشيعي، ولذلك ذهب منذ البداية نحو تلك الجذور ليواجهها برؤية إصلاحية عابرة للأزمنة قبل الحدود

 

قد نكون جيلا محظوظا، لأننا عشنا الحقبة القومية ثم حقبة اختطاف آية الله الخميني وجهيمان العتيبي لحياتنا وأفكارنا، وحتى أحلامنا، وعايشنا اللحظة التي وضعنا فيها أسامة بن لادن بين فسطاطين، فسطاط الكفر وفسطاط الإسلام، ورأينا تمدد دولة داعش، وقبلها عشنا استيراد وتصدير الأفغان العرب في السودان واليمن وغيرهما من البلدان. وها نحن اليوم نعيش لحظة شاملة من الإصلاحات البنيوية، ونحفّز على التعجيل بها.

 

قد نكون بلغنا من العمر عتيا، ولكننا راقبنا بلداننا يغزوها الغرب والشرق، وشاهدنا تساقط الأنظمة، بعد أن استلب أصحاب العمائم عقول الناس وحرموهم من أحلامهم وخرّبوا أوطانهم. حتى جاءت اللحظة التي ظهر فيها الأمير محمد بن سلمان قائلا، بجرأة، إن محمد بن عبدالوهاب ليس رسولاً.

 

المستقبل لن يكون بعد اليوم كالماضي، بوجود رجالات مثل وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد.

 

ثورة التنوير، التي انطلقت مؤخرا من السعودية، بمقدورها أن تحدث ما عجز عنه كل التنويريين خلال ألف عام، تأثر معظمها بمخلفات الدولة العثمانية، ومازالت آثار تلك الحقبة عالقة في كل ركن من أركان المنطقة، التي وإن تحرّرت من الاستعمار الأجنبي في القرن العشرين، غير أنها لم تتخلص من تلك الموروثات السلبية وتداعياتها.

 

لقد آن لهذه الثورة الكبرى أن تتمدد لتطوي خلفها أزمنة تحول خلالها الدعاة إلى قدّيسين وظفوا النصوص الدينية لخدمة تيارات حوّلت الناس إلى ألغام قابلة للانفجار مع كل أزمة طارئة حول العالم.

*- هاني مسهور: محلل وكاتب سياسي