الاحتمال الأول: هو قيام أمريكا وحلفائها الأروبيين بدفع روسيا مجبرة إلى خيار شن الحرب على أوكرانيا، أو القبول بالخيار لأكثر مرارة وخطورة على أمنها القومي، وتهديد استراتيجيتها العليا، بما يؤذن بتراجع نفوذها وتأثيرها في صنع السياسات الدولية، ورسم وتحديد خارطة المصالح الكبرى وتقاسمها في دول العالم الثالث.
وذلك باستدراج روسيا ودفعها مجبرة ومحرجة إلى حرب مفتوحة على حدودها، وبالضرورة ذلك يضعف من تأثيرها في السياسة الدولية، ويحد من قدرتها على التطلع والمساومة على كسب مزيدا من النفوذ والامتيازت، مقابل إن تتراجع إمريكا وحلفاؤها الأوربيين وتقديمهم للتنازلات فيما يخص الموقف من الحرب على أوكرانيا.
الأحتمال الثاني: إن العالم على مشارف حرب باردة جديدة، ستكون بالتأكيد حرب طويلة ومحمومة ومختلفة عن سابقتها، باختلاف السياقات والمحددات والمنطلقات، وذلك إن بنية وطبيعة النظام السياسي في روسيا اليوم، لم تعد هي نفس بنية وطبيعة النظام السياسي في الاتحاد السوفييتي السابق، الذي طالما كانت سياساته ومواقفه تفتقر إلى الكثير من المرونة الدينامية العملية. تتحدد بمحددات صارمة، وتنطلق من منطلقات وحسابات تتعثر معها بوافر من المحاذير، وجملة من الإلتزامات الإيدلوجية، في مواجهة عدو - أمريكا وحلفاؤها الأروبيين- متخفف ومتحرر تماما من أية قيود أو ألتزامات إيدلوجية، ليتحرك باريحية ومرونة، وينطلق من منطلقات برجماتية محضة وسائلة، تقوم على حسابات الربح والخسارة، ويضمن تحقيق المنفعة والمردودية، بصرف النظر عن أي إعتبارات أخرى.
وبالنظر إلى طبيعة الاختلاف بين روسيا اليوم والاتحاد السوفيتي السابق ، فإن الفرص أمام روسيا وقدرتها على المناورة والتحرك لمواجهة عدوها، قد أصبحت أعظم وأكبر مما كانت عليه، مما كانت أمام الاتحاد السوفيتي، وسينعكس ذلك الاختلاف بالتأكيد على خارطة التموضع والإصطفاف، بتحول الكثير من الدول أو على الأقل حيادها، بعد أن كانت تتموضع وتصطف في الجانب المعادي، بعد إن أصبحت روسيا تنتهج سياسة أكثر "برجماتية" متحررة ومتخففة من كل أرث أو ألتزام أيدلوجي، يقوم على تصنيف الأنظمة إلى ( تقدمية/ ورجعية) كما كان الحال مع الاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة.
حيث وبسبب سياساته ومواقفه الإيدلوجية، جعل الاتحاد السوفييتي الكثير من الدول لاسيما الملكية المحكومة بأنظمة وراثية، وتصنيفها إيدلوجيا بأنها أنظمة رجعية بحاجة إلى التموضع والإصطفاف في الجانب الآخر، وهذا ما لن تجد الكثير من الدول والأنظمة نفسها اليوم، منخرطة فيه بالضرورة، أوفي حاجة مصيرية إليه.
ناصر المركدة: ناشط وكاتب سياسي