عادت إلى المعارضة بعد عام كارثي في الحكم
لا شريك للإخوان المسلمين اليوم إلا الجماعات السلفية المستعدة لاستخدام العنف
عاد الإخوان المسلمون إلى ما يتقنون فعله، أي المعارضة، بعد حكم عام تميز بكارثيته. وقد تكتل معهم إسلاميون من جماعات سلفية، مستعدة لاستخدام العنف ضد الجيش المصري، لإعادة محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة.
رغم كل ما تعلنه جماعة الإخوان المسلمين عن التزامها بالديمقراطية ونبذ العنف، فإن شركاءها الوحيدين، الذين يمكن أن تعوّل على دعمهم في مصر اليوم، هم جماعات إسلامية أخرى، مستعدة لاستخدام العنف أو أساليب عمل متطرفة. وهذا من شأنه أن ينسف السمعة، التي روّجتها الجماعة عن نفسها، بوصفها حركة برغماتية ذات قاعدة شعبية عريضة، كما أفاد باحثون.
وقال خليل العناني، الخبير المتخصص بالحركات الإسلامية والسياسة المصرية في جامعة درام البريطانية: "هناك الآن معسكر إسلامي كبيرمن جهة والجيش من الجهة الأخرى، فالاختلافات تلاشت بين الإخوان والإسلاميين الآخرين". وقد يكون من الصعب السيطرة حتى على أعضاء الجماعة نفسها بعد المواجهات الأخيرة.
ففي يوم السبت، دعا بعض قادة الجماعة أعضاءها الشباب، الذين كانوا يشتبكون مع قوى الأمن، إلى أن يعودوا إلى منطقة الاعتصام في ميدان رابعة العدوية، لكن دعوتهم لم تلق آذانًا صاغية في عمل لافت من أعمال العصيان، على النقيض من دعاوى الجماعة بكونها تنظيمًا هرميًا يتسم بالانضباط الحديدي.
عودة إلى المعارضة
لم تتمكن الجماعة منذ عزل الرئيس محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) من إجراء مناقشات داخلية على مستوى القيادة بشأن ما تفعله في الوضع الجديد. لكن المراقبين يرون أن خياراتها محدودة في كل الأحوال. فإن تراجعها الآن من دون ضمانات تقدمها الحكومة المؤقتة بأنها لن تُلاحق في المستقبل قد يكون انتحارًا سياسيًا، في حين أن التراجع سيكون في عرف الجماعة انتهاكًا للشرع، الذي يقضي بألا تتخذ أي قرار يقوّض موقع مرسي من دون التشاور معه، بحسب جهاد الحداد المتحدث باسم الجماعة.
وكانت الأسابيع الأخيرة شهدت عودة جماعة الإخوان المسلمين إلى ما تجيده، وهو العمل السرّي، الذي أتقنت ممارسته على امتداد عقود من المنع في عهد حسني مبارك ومن سبقوه. وتجد غالبية بقية القادة من الحركة أنفسها حبيسة منطقة الاعتصام الرئيسة في مدينة نصر، حيث يمكن العثور على بعضهم يشاركون في اجتماع إثر آخر.
ونقلت نيويورك تايمز عن أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين قولهم إن الأزمة الحالية تكاد تكون إنقاذًا للجماعة بعدما حررتها من تحديات الحكم والتوافقات التي تقترن بها مع القوى الأخرى في المجتمع المصري، معترفين بأن عامًا من الحكم أسفر عن تآكل شعبية الجماعة. وها هي الآن عادت إلى المعارضة، في دور ينسجم مع الصورة التاريخية التي دأبت على ترسيخها طيلة عقود بوصفها ضحية التعسف والملاحقات.
وقال الحداد إن مجموعة مركزية من قادتها، الذين لم يتعرّضوا للاعتقال، أي نحو 12 قياديًا، يجتمعون يوميًا لبحث التكتيكات.وأضاف في مقابلة مع نيويورك تايمز أن هؤلاء القادة يقومون بجولات، حيث يطرح كل واحد منهم تحليله للوضع، ثم يختزلون تحليلاتهم إلى ثلاثة أو أربعة خيارات، ويصوّتون عليها، وهذه النقاشات تكون أحيانًا ساخنة يتخللها صياح، وتكون أحيانًا سلسلة، وهي تتعلق بالطرق التي تتخذها المسيرات الاحتجاجية وتوقيتها. ولكن النقاشات الأوسع لاستراتيجية الجماعة متعذرة في غياب عدد كبير من القادة الكبار.
تكتل إسلامي
لكن جماعات إسلامية أخرى كانت حتى الأمس القريب تتنافس مع الإخوان على أصوات الناخبين، أصبحت الآن قوى مهمة في حملة الإخوان المسلمين لإعادة مرسي إلى الرئاسة. ورغم وقوف قيادة حزب النور السلفي مع الجيش، فإن الكثير من كوادره وقواعده اتخذوا جانب الإخوان، ويشاركون معهم في الاعتصامات. ويبدو أن العديد من الجماعات الإسلامية الأخرى ترى أن سقوط الإخوان يعني سقوطها، ومعها قضية الإسلام السياسي في مصر وخارج مصر.
وداخل خيمة في منطقة الاعتصام في مدينة نصر، اجتمع أعضاء من الجماعة الإسلامية، التي ارتبط اسمها بأعمال إرهابية في مصر إبان التسعينات قبل أن تنبذ العنف. وقال يحيى عبد السميع، وهو رجل متوسط العمر ذو لحية كثة على طريقة السلفيين: "شاركنا في الانتخابات، وعملنا ما أرادوه منا، ثم نواجَه بقوة الجيش". وأضاف بالانكليزية مبتسمًا: "انتهت اللعبة".
بعده تحدث رجل أصغر سنًا اسمه طارق أحمد حسين، قائلًا: "كثير من الشباب يقولون لا نريد صناديق اقتراع بعد الآن، فكنا نؤمن بالخلافة، وإذا لم يأت الحق بصناديق الاقتراع، سنعود إلى المطالبة بالخلافة".
وقال رجل ثالث إن الأزمة كانت نافعة من بعض النواحي، "وكان الأمر اختبارًا صعبًا، لكن له فوائده، فنحن الآن نعرف من هم أصدقاؤنا، وكان من المؤلم أن نرى مسلمين يقفون ضدنا في البداية، ولكنهم عرفوا الآن خطأهم، وعادوا إلينا".
وتحدث القيادي في جماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي عن الليبراليين، الذين كانوا حلفاء الإخوان ضد نظام مبارك، قائلًا: "كثير من الأصدقاء الذين كنا نتعامل معهم كشركاء، يتحدثون الآن عن الانقلاب كمعطى".
لغة السلفيين
بخلاف قادة الإخوان الآخرين، كان البلتاجي يعترف ببعض أخطاء مرسي، الذي كان في أحيان كثيرة يغضّ الطرف عن قمع الأجهزة الأمنية للمحتجين الليبراليين والعلمانيين واليساريين خلال سنته الكارثية في الحكم. لكن مواقف البلتاجي اتخذت منحى متشددًا في الأسابيع الأخيرة ـ وهو الآن يتهم الحلفاء الليبراليين القدامى والولايات المتحدة بالتواطؤ في مؤامرة واسعة لإجهاض حكم مرسي وإسقاطه.
وقال البلتاجي لصحيفة نيويورك تايمز إن أكبر خطأ ارتكبه مرسي هو الوثوق بمؤسسات البلد، التي كانت تحاول تقويضه، مشيرًا إلى أنه كان على مرسي أن يكون أشد حزمًا في فرض سلطته عليها. ويُسمع هذا الرأي في منطقة الاعتصام الأخرى بعدد أقل من المحتجين قرب جامعة القاهرة، حيث أعلن خطيب: "أنتم معتصمون هنا بسبب الشر الذي أراد أن يلغي الدين من حياتنا".
ويبدو أن بعض الإسلاميين يرحّبون بفكرة صراع دموي يخوضونه ضد من يجسدون هذا الشر المستطير برأيهم. فإن ملصقات كُتبت عليها عبارة "مشروع شهادة" تزيّن الجدران حول منطقة الاعتصام في محاولة لإشعال المشاعر وتوسيع حركة الاحتجاج.
وفي زاوية مظلمة داخل مقهى في أحد الأزقة على بعد شارع من منطقة الاعتصام في مدينة نصر، تحدث الإخواني السابق علي مسعد عن دور الجماعة الجديد بوصفها مركز استقطاب لمعسكر الإسلاميين. وقال مسعد، الذي ترك جماعة الإخوان بعد ثورة 25 يناير: "هذه ليست جماعة الإخوان التي أعرفها، فهم يتكلمون الآن بلغة السلفيين".
* ايلاف