الخروج من صحراء التِّيه ورمالها المتحركة

2023-05-26 20:08
الخروج من صحراء التِّيه ورمالها المتحركة
شبوه برس - خـاص - عــدن

بهجر القرآن، دخلت الأمة الإسلامية منطقة رمال متحركة، لم تستطع الخروج منها لليوم، وكلما حاولت الخروج ازداد غرقها في رمالها المذهبية، وصراع الكراهية وحروبها، ولهذا يعتقد الكثيرون، أن أزمة الامة سياسية واقتصادية، بينما اشكالية الأمة وأزمتها، في جوهرها وأُسُسِها ثقافية، عكست نفسها في كل مناحي حياة المسلمين، أفراد، ومجتمعات، وشعوب، ودول، ولهذا غاب الدين الحق، وغابت معه دلالات مصطلحاته في بعديها الثقافي والديني، كون الدين هو المكون الأكبر لثقافة الأمة، وبغياب الدين الحق تم تغييب النص القرآني وهجره، وتم استبداله بالنص الفقهي المذهبي وأقوال الرجال، وبهذا نتجت كارثة ثقافة الجهل والتخلف، ودخلت الأمة صحراء التِّيه المذهبية، ورمالها المتحركة.
دين الله "الإسلام" أوجده الله منظومة هدى كاملة للإنسان، فهذا الدين بمنظومته المتكاملة بمختلف ملله عبر التاريخ، قاد الإنسان نحو الخلاص، مرافقا وموجهاً الإنسانية، بمراحل تطورها المختلفة، نحو الاستخلاف، عبر الزمان والمكان، حتى أتم الله دينه وأكمله، برسالته الخاتم، وكتاب وحيه الخاتم، التي حملهما رسوله ونبيه الخاتم محمد (ص)، والدين بمنظومته المتكاملة والمكملة لبعضها البعض، يحوي حقائق الوجود الموضوعي في الأنفس والآفاق، بجانب شموله هدي الله للإنسان وخلاصه، في الدنيا والأخرة، والدين بمنظومته المتكاملة، لا يمكن تجزئته أو بتره أو تعضيته، عن بعضه البعض، فهو يعمل على تهذيب سلوك الإنسان، وتنظيم صلاته بالله والوجود، ليؤدي دوره، في العبادية والاستخلاف، والشهادة على الناس، والتعارف، وباتباع الإنسان للدين ومنظومته المتكاملة يحمي نفسه من السقوط، من علو نفخة الروح الإنسانية، لمرتبة البهيمية، فتهيمن عليه غريزته البشرية المتوحشة، والدين بمنظومته المتكاملة، الشاملة لمجالات حيات الإنسان المختلفة، الثقافية، والمعرفية، والمجتمعية، والسياسية، والاقتصادية، والأخلاقية، يضمن السعادة والفلاح للإنسان في الدنيا والأخرة، ولذا ترك الله للإنسان، حرية قراءة دين الإسلام ومنظومته، وإسقاطها على زمانه ومكانه ومعرفته، ليحقق الإنسان بذلك بناء حياته واستقراره، دون ضنك وعناء، ويبني نظامه المعرفي والسياسي والاقتصادي والمجتمعي والأخلاقي، وكون الدين من الله فهو نص مطلق المعرفة، يحوي الزمان والمكان، بثبات نصه وتغير دلالاته.
الخروج عن منهج القرآن وهديه، يُحْدث عند الناس،الاختلاط والاختلاف، حين يعتقدون أن فهم الدين ومنظومته، في فترة زمنية مكانية هو الدين، وهنا يصبح قول الناس والرأي هو "الدين" وبهذا الخلط يتم هجر قول الله لقول الناس، فيحدث الاختلاف، فتقع الأمة في مصيدة الرمال المتحركة للفقه المغلوط، الذي ينص بأن قول الناس هو الدين، وهنا يتفرق الفقه وهاماناته شيعاً وأحزاب، تبعا لمصالحهم واهوائهم، فتنشأ الفرق والمذاهب، كبديل لأخوة الإيمان، وبهذا تفجرت الخلافات، وحروب الكراهية، التي ابقت الأمة في صحراء التِّيه، ورمالها المتحركة.
ودارت رحى صراع الكراهية المذهبية، بطغيانها وحروبها، بين المؤمنون بالمذهبية، ونشأ معها صراع أخر، بين المتمسكين بالتراث، والمدافعين عن أقوال الناس، لاعتقادهم بأنه دين الله وقوله، وبين الرافضين للتراث، والمهاجمين الدين، لاعتقادهم بأنه التراث، وهذا الصراع ببعديه، أدخل الأمة الإسلامية، نفق التخلف وحروب الكراهية، فتم تمزيقها، واستعمارها، ونهب ثرواتها، وخرجت من ريادة الفعل الحضاري والاستخلاف، إلى القابلية للتخلف والاستعباد.
افردوا خريطة دول الإسلام، وانظروا ماذا فعلت الكراهية المذهبية وحروبها، بديننا، ودولنا، وشعوبنا، وأوطاننا، وثرواتنا، حروب وكراهية داخل المذهب الواحد بفرقه المختلفة، وبين المذاهب المختلفة، وبين المتمسكين بالتراث والرافضين.
لا مخرج لنا من ذلك غير مغادرة صحراء التِّيه ورمالها المتحركة ومذهبيتها، ولنتيقن أن الدين، هو قول الله في وحي كتابه، ولنسقطه على عصرنا ومشاكلنا، لنبحث عن حلول معاصرة لمعاناتنا وتخلفنا، وهو ما فعله الأسوة الحسنة، الرسول الخاتم محمد (ص)، عندما قرأ دين الله بوحي كتابه، بعصره وزمانه ومكانه ومشكلاته، وأسس أول قراءة، ورؤية، وأسوة حسنة، وعملية، لدين وحي الله بمنظومته الكاملة والتامة، على واقعه في المدينة، فتحولت قريش بعصبيات بطونها للمهاجرين، وتحولت قبايل المدينة بعصبياتها للأنصار، وتحولت يثرب إلى المدينة، وبهذه الأسوة الحسنة، تأسست دولة المواطنة المتساوية للإنسان، بميثاق المدينة، وتم توظيف فهم الدين بمنظومته المتكاملة، في الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والأخلاق، لبناء مجتمع ودولة الإنسان، بغض النظر عن معتقده ولونه وعنصره، وبذلك تأسس أول نموذج لدولة مدنية، عرفها التاريخ الإنساني، وهذه هي الأسوة الحسنة التي طبقها الرسول الخاتم، والتي علينا اتباعها.
وحده دين الله بمنظومته المتكاملة القادر على تأليف القلوب بأخوة إيمانية حقة.
جمعتكم أخوة إيمانية، باتباع وتطبيق دين وحي الله، واتباع الأسوة الحسنة لرسول الله، للخروج من صحراء التِّيه برمالها المتحركة، ومذهبيتها المدمرة، لنتجنب مصير هلاك قوم موسى وضياعهم.
د عيده سعيد المغلس
٢٦-٥-٢٠٢٣