من بين الأوهام التي يجري تسويقها للجنوبيين وتقديمها لهم وكأنها الوصفة السحرية التي سيقضون بها على كل عذاباتهم ومعاناتهم الممتده منذ ثلاثة عقود، وهمٌ اسمه "الفريق التفاوضي"، والذي يشكل مع أحجية "الإطار التفاوضي" وأكذوبة "حكومة المناصفة" ثلاثية متلازمة من ألعاب الخدع البصرية الماكرة التي أريد بها إغراق الجنوبيين في ألغاز الوسيلة والانشغال بها بدلاً من الغاية.
في كل الصراعات أو حتى التحالفات السياسية يضع كل طرف استراتيجيته وغاياته النهائية في صدارة انشغالاته ويجعلها الديدن اليومي الذي لا يخضعه لأية مساومة أو مراوغة أو تجزئة أو قابلية للاستبدال الكلي أو الجزئي، وحينما يضطر هذا الطرف أو ذاك إلى الدخول في مناورات أو مساومات أو حتى القبول بتنازلات، فإن ذلك يكون في إطار الوسائل والأدوات دون المساس بالغايات والأهداف النهائية.
بعض الجنوبيين ومنهم مثقفون وأكاديميون بل وقادة سياسيون ، لا يدعون مناسبة إلا ويطالبون بسرعة تشكيل الفريق التفاوضي، متناسيين أن طرفي الحرب لا يريدان الذهاب باتجاه التفاوض، وأنه حتى لو شكلت الشرعية فريقها ما يزال للحوثيين فريقهم التفاوضي وكلمتهم التي قد تكون هي الحاسمة على الأرجح.
ومن هذا المنطلق فإنني لا أرى مبرراً لهذا التشبث من قبل بعض الجنوبيين بضرورة الإسراع بتشكيل الفريق التفاوضي الذي لن يكون للجنوب فيه سوى نصف ونصف هذا النصف للمجلس الانتقالي (الطرف الوحيد الذي حسم أمره فيما يخص استعادة الدولة الجنوبية والعودة إلى نظام الدولتين الشقيقتين في هذا البلد المنكوب بساسته) أما نصف هذا النصف فحينما يتعلق الأمر بالقضية الجنوبية سوف لن يختلف في موقفه عن موقف الحوثيين ولا عن موقف غزاة 1994م الذين صاروا اليوم حكاماً للجنوب لأن أعضاءه لن يعملوا إلا على تنفيذ أجندات أحزابه السياسية التي تتمترس وراء شعار "الوحدة أو الموت" والحفاظ على "الوحدة المعمدة بالدم".
وباختصار
"اتفاق الرياض"، "مخرجات مشاورات الرياض"، بما فيها "مجلس القيادة الرئاسي"، "حكومة المناصفة"، "الفريق التفاوضي"، "الإطار التفاوضي الخاص بالقضية الجنوبية" ليست آيات منزلة، ولا هي عقد نكاح كاثوليكي، يبقى للأبد غير قابل للنقض، بل إنها بالنسبة للجنوب والجنوبيين مجرد وسائل وأدوات مرحلية الهدف منها تمكين الجنوبيين من تحقيق هدفهم الأسمى وهو استعادة دولتهم الجنوبية الجديدة بحدود 21 مايو 1990م فإذا لم تساهم هذه الوسائل في تحقيق هذه الغاية الأسمى من كل غاية فلتذهب إلى الجحيم.
وإذا كانت تجربة اتفاق الرياض وحكومة المناصفة (المغشوشة) ومجلس القيادة الرئاسي لم ثتمر سوى عن استدراج المجلس الانتقالي الجنوبي، وتحويله إلى حزب مشارك في الحكم، بكل ما يتسبب به هذا (الحكم) من آلام وعذابات هي أقرب إلى الجرائم في حق الشعب الجنوبي وملايينه الستة، فإن الرهان على الفقاعات الوهمية الزائفة كالفريق التفاوضي والإطار التفاوضي إنما يمثل مزيدا من التوريط للطبقة السياسية الجنوبية في متاهة ضياع الهدف والحرص على التمسك في الوسائل.
ورحم الله فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة الشاعر الخالد عبد الله البردوني الذي قال
العـــصافيرُ في عروقِي جــياعٌ
والــدوالي والقمحُ في كلِّ وادي
في بـــلادي ما في سواها ولكن
باعت الأرضَ في شراءِ السمادِ
*- د عيدروس نصر ناصر النقيب