يرفضها اليهود المؤمنين.. الصهيونية من أول وجديد

2023-12-21 20:28
يرفضها اليهود المؤمنين.. الصهيونية من أول وجديد
شبوه برس - خـاص - القاهرة

 

*- شبوة برس – سامح عسكر *

فكرة شائعة في المجتمع التنويري العربي أن الصهيونية تعني اليهودية، ومجرد تسميتها راجع لجبل صهيون في القدس ليس إلا.. وبالتالي فمعارضة الصهيونية هو عمل طائفي موجه ضد اليهود..

 

يكافح بعض المثقفين والباحثين هذه النظرة (الأمية) لقيامها على نفس الخلط الصهيوني الذي أدى لانشقاق اليهود إلى جماعات نسبة كبيرة منهم ضد الصهيونية وتتظاهر ضد إسرائيل في الغرب، ويقيسون مدى إيمان اليهودي برفضه للصهيونية ومنتجاتها..بينما على الجانب الآخر يحتكر الصهيوني (تمثيل اليهودية) ويعتقد أن مجرد انتقاد إسرائيل هو (معاداة سامية) وهذا التيار يحكم إسرائيل حاليا وينتشر في الولايات المتحدة ويسعى لاستصدار تشريعات تعاقب كل من ينتقد إسرائيل بوصفه (عدوّ للسامية)..

 

بكل وضوح: الصهيونية هي حركة إحيائية دينية تشبه (الخلافة والإمامة) في الفكر الإسلامي، إنها ارتباط روحي ومشروع سياسي ديني يجمع بين اليهود في أرض الميعاد، فإذا كانت الخلافة والإمامة (دون عواصم أو بلدان) فالصهيونية تختلف لأنها تقوم في محورها على (البعث الأبدي في أرض فلسطين)..

 

لك أن تعلم:

أولا: فقراء اليهود هم الذين هاجروا لفلسطين وليس أغنيائهم والسر في أن أغنياء اليهود في المجتمع الغربي (تعايشوا مع واقعهم) ولم يُفرطوا في ثرواتهم ومكتسباتهم.. راجع أسماء أغلب أغنياء اليهود تجدهم لا يعيشون في إسرائيل، لكن بقي بعض الأغنياء في الخلفية داعمين لإسرائيل دون الهجرة إليها..

 

يشبه ذلك عندما دعّم أغنياء الجهاديين عمليات داعش والقاعدة ومشروع الإخوان في الحكم، لكنهم لا ينخرطون عمليا في الحروب والصراعات ويفضلون العمل كداعمين في الخلفية ويرفضون تماما أن يكونوا وقودا للصراع..هذا ينطبق على إسرائيل فالأغنياء الذين حرضوا يهود الغرب على الهجرة لفلسطين واشتروا لهم الأراضي بفعل قانون الطابو العثماني في القرن 19 كانوا يتوقعون أن الدولة اليهودية الوليدة لن تكون آمنة...

 

ثانيا: اليهود لم ينشأوا على الزراعة..ثقافة الفلاحة بالأساس غير موجودة عند اليهود الذين انشغلوا منذ القدم بالتجارة وبعض الحرف الصغيرة..مشروع إسرائيل الديني قائم على إعادة بعث الزراعة في نفوس اليهود بتمكينهم من الأرض أولا وحمايتها بالسلاح ثانيا، وهذا الذي خلق في إسرائيل ظاهرة (الكيبوتسات) وهي تجمع زراعي عسكري يقوم على مبدأ (زراعة الأرض المسروقة بالقوة لصالح اليهود)

 

كل كيبوتس صهيوني في إسرائيل قائم على أرض فلسطينية مسروقة، بهدف إحياء ثقافة الفلاحة عند اليهود، ومن هنا يتجلى أحد جوانب الفكر الصهيوني وهو حماية دولة آخر الزمان في أرض الميعاد بالغذاء وضمان سلاسل الإمداد بالاعتماد على النفس، وهذه الظاهرة الزراعية هي التي حفزت آلاف اليهود الفقراء على الهجرة لإسرائيل ممن لا يملكون الأراضي في بلدانهم الأصلية والممنوعون أصلا من حق الملكية..

 

إنت حضرتك لو لم تملك قيراط واحد في بلدك وعرض عليك امتلاك 5 أفدنة في بلد آخر بشكل مجاني ستذهب دون تفكير ..إنها فرصة العُمر..

 

ثالثا: معظم مستوطنات وكيبوتسات إسرائيل أقيمت فيما دون (الضفة وغزة) التي كان يقطنها أغلبية عربية، والسبب أن العرب كانوا يهاجمون هذه المستوطنات والكيبوتسات فاختار الصهاينة الابتعاد عن مراكز تجمع العرب والفلسطينيين بالأراضي المفتوحة شمالا وجنوبا.

 

رابعا: بعد اتفاقية أوسلو أوائل التسعينات وظهور ما يسمى بالتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، انتقلت ظاهرة الاستيطان والكيبوتسات إلى الضفة مستفيدة من حماية السلطة لها بموجب اتفاق أوسلو، وبدلا من آلاف المستوطنين قبل أوسلو في الضفة وصل عددهم الآن إلى 700 ألف مستوطن..وهذا الذي أدى لظهور شعبية حماس بين الفلسطينيين..

 

حماس كانت مجرد جماعة ملتفة حول زعيم ديني روحي وهو الشيخ "أحمد ياسين"، لم يكن لها شأن بين الفلسطينيين حتى منتصف التسعينات، لكن بمجرد ظهور وتوحش ظاهرة الاستيطان والكيبوتسات في الضفة انتشرت حماس وظهرت حركة الجهاد وتعددت الفصائل المقاتلة..وبالتالي نفهم أن حركات المقاومة الفلسطينية الحديثة هي رد فعل على الاستيطان وفشل اتفاق أوسلو..فلو أولى العالم اهتمامه بمقاومة الاستيطان ورعاية اتفاق السلام قبل 30 عاما ما ظهرت تلك الحركات ولا وجدت شعبية بين الفلسطينيين..

 

خامسا: الرابطة بين الصهيوني وما يعتقدها أرضه المقدسة (قوية جدا) فهي ليست على شاكلة غيرها من الروابط..أقوى حتى من رابطة الوطن..الصهيوني يعتقد في فلسطين أنها (وطن سياسي وديني وروحي واقتصادي وعسكري واجتماعي معا) فهي كيانه وجوهره وسر وجوده..لذلك هو لا يأبه لخسائره فيها ويدخل معاركه بعقلية انتحارية تشبه عقلية داعش..وينظر لكل من يقف في طريقه على أنه (شرير)..

 

لاحظ أن هذه المعتقدات الراديكالية تشبه معتقدات الجهاديين المسلمين بالضبط ناحية دولة الشريعة، فهم يقاتلون من أجل قيامها بعقلية الانتحار ولا يأبهون لأي انتقادات أو صورة متوحشة يراهم بها الناس..وتلك المعتقدات جرىت هندستها وزراعتها في أنفس اليهود – وبعض المسيحيين الإنجيليين – على مدار أكثر من 130 عام منذ ظهور جماعات (محبي صهيون وبيلو) في أوروبا أواخر القرن 19..

 

لك أن تعلم أن مؤتمرات محبي صهيون وبيلو سبقت مؤتمر هرتزل في بازل سنة 1897م، محبي صهيون بدأت منذ عام 1880 وكان أول مؤتمر لها في أوديسا بأوكرانيا سنة 1884م، والغالب على هذه المؤتمرات ليس الحديث السياسي بل ما يسمى (بالبعث الديني والروحي) وضخ كم كبير من الشعارات والأحلام الأفلاطونية في نفوس اليهود الغربيين..

 

سادسا: الحل في فلسطين ليس بتسخيف فكرة الصهيونية وحصرها في السياسة، هذا جهل دفعنا ثمنه بالعقود الماضية، إنها رابطة دينية قومية روحية كبيرة ومتعددة الملامح ومتشعبة لدرجة أنها خدعت بعض المسلمين وتصوروا أن معناها يعني (السلام)..فلم تعد جرائم إسرائيل ومذابحها مخالفة للقانون حسب وجهة نظرهم..ولكنها رد فعل على مقاومة الفلسطينيين..

 

المشكلة في إعادة بناء المفاهيم..فما يترتب على المفهوم من معنى هو أخطر من بناء المفهوم نفسه ، فلو كان البناء سليما ستكون النتائج سليمة..

*- باحث وسفير مصري في منظمة الأمم المتحدة