*- شبوة برس - صلاح السقلدي
يقال إذا منعت مجري تدفق النهر فالفيضان هو المتوقع، وإذا أعقت الطريق أمام تطلعات الشعوب فالنتيجة التمرد والثورة… فثورات الربيع العربي كانت بحق ثورات شعبية تستهدف تحطيم ربقة الاستبداد والاستحواذ بعد عقود من الطغيان والكبت، ولها الف سبب وسبب للتتفجّر بوجه أنظمة قمعية فاسدة، طغت وبغت، وتجبرت وتامرت ونهبت ما فوق الأرض وما تحتها.
فهذه الثورات ليست مسئولة عما جرى بعد ذلك من إخفاق. فالمشكلة في الثائر لا في الثورة.
الطريف بالأمر أن البعض ممن يهزأ ويقلل من شأن هذه الثورات، يستحسنها في دولة و يزدريها في دولة أخرى، وفقا لحالة طقس المنفعة والارتزاق.
فالاخفاق الذي اعترى بعض ثورات الربيع العربي لا يلغي بأثر رجعي حقيقة وجود عوامل ومبررات ومنطق قيامها، وليس الغرابة في قيامها بل في تأخرها كل تلك السنوات.كما أن تدخل المال السياسي العابر للحدود لم يقوَ على تجميل قبح وجوه تلك الانظمة ورموزها الفاسدة الفاشلة الأنانية او يبث فيها الروح من جديد، ولا يمكن ان يُقيد بقائمة أخطاء الثورات او يحسب عليها .
فمَن يعتبر سبب الأوضاع المتردية اليوم بانه نقمة ولعنة أصابت الشعوب التي ثارت على تلك الأنظمة وبأن هذا الوضع نتاج للكفر بنعمة تلك الأنظمة، وبأن مؤسسات الدولة سقطت بسبب إسقاط تلك الانظمة فهو يدين نفسه وانظمته من حيث لا يقصد. فلو كانت تلك الانظمة اقامت دولة ومؤسسات لما وصل بنا الحال الى ما وصلنا إليه أصلاً، وإن كانت تلك الانظمة قد بنت فعلا مؤسسات لكانت صمدت ولما تهاوت بمجرد سقوط رأس السلطة.
فهذه الانظمة أسست سلطة ولم تؤسس دولة، بل وأن هذه السلطة ظلت منحصرة بأضيق قوقعتها العائلية والنفعية وبأصحاب الحظوة من جوقة النفاق السياسي، وجعلت البلاد مرهونة ببقائها بالسلطة، وزوالها يحدث بمجرد انهيار العرش والحاشية، وهو ما حدث بالفعل.
خيمة كبيرة منتصبة على عمود في وسطها، سرعان ما تسقط أرضاً وتتداعى سريعا بمجرد ان ينكسر أو يسقط العمود. وهذا العمود هو رأس السلطة الحاكمة، والخيمة هي الوطن المحطم. لا فرق بين الرايتين.