تقدم الدجل على حساب العلم نتيجة لحالة الإحباط العامة.. عزيزي المحرر انتبه. هذه ليست أخبارا حقيقية.
*- شبوة برس – متابعات
عبث علمي
كان الخبر المكرر في التسعينات من القرن الماضي ومطلع الألفية أن باحثا مصريا توصل إلى علاج للسرطان. تعددت مصادر العلاج من عسل وخضر وجذور للنباتات وسموم للعقارب والأفاعي. لا أعرف كم من علاجات السرطان هذه قد وصل إلى أي مستشفى أو عيادة جدية. المؤكد أن مستشفيات الأورام في مصر تستخدم العلاجات الكيمياوية والإشعاعية العالمية في مواجهتها للمرض بأنواعه المختلفة. لا شك أن أطباء الأورام ينصحون بالتغذية الصحيحة والنشاط كجزئين مكملين للعلاج ومخففين لتأثيراته. لكن الابتكارات العلاجية المصطنعة التي يتم الترويج لها كأدوية سحرية سرعان ما يطويها النسيان.
تكرر الأمر مع أمراض أخرى، مثل الأيدز وفايروس الكبد سي. حكاية المؤتمر الصحفي وعلاج “صباع الكفتة” من العلامات الفارقة للادعاءات بتحقيق الاختراقات في الطب بلا علم حقيقي. في حينها، بدا الأمر جديا إلى حد تبنيه من قبل مؤسسة الدولة. اليوم هو من النكات التي تستعاد.
الأمر ليس محصورا بمصر بالطبع، لكن مصر بحكم تعدادها البشري وقدرة الإعلام فيها على الترويج لأي شيء، كانت السباقة في هذا الإطار. الأمر منتشر في كل عالمنا العربي الباحث عن المعجزات بلا حد أدنى من الجهد البحثي والعودة إلى أساسيات العلوم، بل حتى الوصول إلى إنكار ما حققته العلوم الطبية الحديثة من أساليب للعلاج تقوم عليها منظومات الصحة في بلادنا.
لعل من العلامات الفارقة كان كوفيد. هذا الفايروس الجبار كان قاتلا سريعا وخطرا، وأمامه سمعنا دجالا هنا ودجالا آخر هناك يتحدثان عن ابتكارات للعلاج. ثم سكت الجميع في انتظار اختراقات الطب الحديث في العثور على لقاحات حقيقية ضد المرض. وقف الدجال نفسه في الطابور ينتظر دوره في تلقي اللقاح.
لا يمكن حصر هذا العبث “العلمي” بالشأن الصحي. فالفقر وتراجع مكانة العلم في مجتمعاتنا لصالح الدجل وانتشار الغيبيات، شجعت كثيرين على “الابتكار”. وبدلا من انتهاج الطرق العلمية الصحيحة واستخدام الأساليب البحثية للوصول إلى حلول هندسية أو صناعية أو حتى على مستوى الحلول “الترقيعية” التي تستخدم الخبرة بأشياء وممارسات معينة، كحال مصلحي الأجهزة الكهربائية والمعدات والمحركات الميكانيكية، لا يزال البعض مصرا على الابتكار وتحقيق الفتوح التي تنتهي إلى الإحباط وانعدام الجدوى.
فقط للطرافة وليس انتقادا، فإن آخر هذه الابتكارات كان “تجنيد” الذباب لتفكيك فضلات الطعام وتحويلها إلى أسمدة، ولا بأس من منتجات جانبية من شرانق يرقات الذباب تستخدم في العلاجات البيطرية. مع التقرير، يتم إلقاء بعض الأرقام الصناعية وبعض الحديث عن أزمة الغذاء وحرب أوكرانيا وزيادة أسعار الطاقة والنقل ومليون طن من فضلات الأطعمة، فيكتمل السحر ويصبح الذباب منقذنا من قلة الأسمدة.
نجد الكثير من هذه الأخبار التي تتلقفها الصحف والمواقع. للأسف فإنها تمر بسهولة على حساب الأخبار الحقيقية، ربما بسبب حالة الإحباط العامة وتقدم الدجل على حساب العلم. عزيزي المحرر انتبه. هذه ليست أخبارا حقيقية.
*- صحيفة العرب - د. هيثم الزبيدي
كاتب من العراق مقيم في لندن