قتلوا صاحب كتاب: ‘‘ الحقيقة الغائبة ‘‘ لأنه طالب بالاجتهاد أسوة بـ ‘‘ابن الخطاب‘‘

2013-09-07 12:38
قتلوا صاحب كتاب: ‘‘ الحقيقة الغائبة ‘‘ لأنه طالب بالاجتهاد أسوة بـ ‘‘ابن الخطاب‘‘
شبوة برس - متابعات

هذا الموضوع دمج من مادتين كتبتا في زمنين متفاوتين ويجمعها شخصية من كتبا من أجله , والمكتوب من اجله , هو الشهيد ‘‘ فرج فودة ‘‘ شهيد الحرية والبحث عن الحق و ‘‘الحقيقة الغائبة ‘‘ .

قتل ‘‘ فرج فودة ‘‘ لأنه بحث عن حقيقة لا تزال محبوسة في صندوق المتجبر والمغتصب للحكم وان تسمى ‘‘ خليفة ‘‘ .

قتل ‘‘ فرج فودة ‘‘ لأنه سمى الأشياء باسمائها ولم ترهبه قداسة زائفة مفتراة لبعض الحكام الطغاة من المتجبرين والمتكبرين وقد ذكر أفعالهم المنكرة الكثير من المؤرخين بل والمفسرين ‘‘ للقرءان الكريم‘‘ يحضون بمكانة رفيعة في التراث العربي ومن مراجع معتبرة عند من يطلقون على أنفسهم أهل السنة والجماعة .

 

الموضوع الأول :

"هذا حديث سوف ينكره الكثيرون، لأنهم يودون أن يسمعوا ما يحبون، فالنفس تأنس لما تهواه، وتعشق ما استقرت عليه، ويصعب عليها أن تستوعب غيره، حتى لو تبينت أنه الحق، أو توسمت أنه الحقيقة، وأسوأ ما يحدث لقارئ هذا الحديث، أن يبدأه ونفسه مسبقة بالعداء، أو متوقعة للتجنى، وأسوأ منه موقف الرفض مع سبق الإصرار للتفكير واستعمال العقل".

 

الكلمات السابقة هى مقدمة كتاب "الحقيقة الغائبة" للمفكر التنويرى فرج فودة، أو كما عرف بعد حادثة اغتياله بـ "شهيد الكلمة"، عندما أطلق عليه أحد أعضاء الجماعة الإسلامية أثناء خروجه من مكتبه بمدينة نصر وابلاً من الرصاص فأسقطه قتيلاً.

 

دفع فرج فودة حياته ثمنا لآرائه المثبتة فى هذا العمل، والذى أراد من خلاله أن يثبت من التاريخ الإسلامى أنه لا يوجد ما يسمى بـ"الدولة الدينية"، وأن الدولة الإسلامية وصلت إلى أوج مجدها عند تحقق أحد الأمرين: الاجتهاد المرن الذى يواكب العصر (سيدنا عمر بن الخطاب)، أو حين فصلت الدين عن الدولة (باقى الخلفاء الأقوياء فى الدولتين الأموية - مثل معاوية بن أبى سفيان وعبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك – والعباسية – مثل المنصور والرشيد المأمون) ويدلل على هذه البرجماتية بمقولة معاوية "إذا مد عدوك إليك يده فاقطعها إن أمكنك، وإلا فقبلها"، وهو خلال طرحه لهذه القضية الشائكة – العلمانية والدولة الدينية – وثق عمله بإسناده إلى أمهات الكتب التاريخية مثل تاريخ الطبرى والبداية النهاية ومروج الذهب وغيرها.

 

والكاتب يثير من خلال عمله هذا بلبلة وقلقا للذين كونوا صورة مثالية لكبار الصحابة والتابعين وخلفاء المسلمين، فيظهر مواقف وفتاوى وخلافات وصراعات تصل إلى حد التراشق والتحريض وحتى الاغتيال أحيانا، بل والتمثيل بالجثث بعد قتل أصحابها، والمشكلة فى أنك كقارئ لا تستطيع التسليم للكاتب فى كل ما ذكره، لكنك فى ذات الوقت لا تستطيع إنكاره، خاصة مع وجود توثيق دقيق لكل رواية، كما سبق ذكره.

 

ورغم عدم الاتفاق مع بعض ما جاء فى الكتاب، إلا أنه بلا شك دعوة لإعمال العقل وعدم التسليم للحكايات المتوارثة عبر الأجيال، لأن هذا التسليم حسب رأى الكاتب "هو الهروب لأنه أسهل من المواجهة، وهو النكوص لأنه أهون من الإقدام، وهى المظهرية لأنها أيسر من إدراك الجوهر".

 

كما أنه نداء لإطلاق الاجتهاد المتنور المواكب لروح العصر "هل يجوز لنا أن نتأسى بعمر بن الخطاب، فنعطل نصا، أو نجتهد مع وجوده، ويصل بنا الاجتهاد إلى مخالفته إذا انعدمت علته أو تغيرت أسبابه؟"، ويؤكد فودة "أن العدل غاية النص، وإن مخالفة النص من أجل العدل أصح فى ميزان الإسلام الصحيح من مجافاة العدل بالتزام النص".

 

ويؤكد فودة طوال الوقت أن الإسلام ليس ضد الحياة كما أنه ليس مخالفا لروح العصر "الإسلام لا يتنافى مع روح العصر، أى عصر، فى كل ما هو إنسانى سمح وعادل"، "إننا فى حاجة إلى أن نقبل على الحياة بالإسلام، لا أن نهوى عليها بالإسلام، وإننا فى حاجة إلى أن نحافظ على الإسلام العقيدة، لا أن نكتفى بحفظ الإسلام النصوص، وإننا فى حاجة إلى أن نخترق الحياة بالإسلام، لا أن تحترق الحياة بالإسلام".

 

ويدعو فودة إلى التمسك بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة، ويبرر ذلك بقوله "إننا نقبل بمنطق الصواب والخطأ فى الحوار السياسى، لأن قضاياه خلافية، يبدو فيها الحق نسبيا والباطل نسبيا أيضا، ونرفض أن يدار الحوار السياسى على أساس الحلال والحرام، حيث الحق مطلق والباطل مطلق أيضا، وحيث تبعة الخلاف فى الرأى قاسية".

 

ويؤكد أن وجود حاكم صالح ورعية صالحين وحكم ملتزم بالشريعة ليس ضامنا لدولة عادلة وقوية ومتقدمة دون وجود نظام صارم لتعيين الحاكم ومحاسبته، وعزله إن لزم الأمر، أى وجود ضمانة للديمقراطية التى لا تتنافى مع الإسلام بأى شكل من الأشكال.

 

ويرى الكاتب أن ما التصق بالإسلام من صور سلبية سببه المسلمون، حيث إن "القرآن لا يفسر نفسه بنفسه، والإسلام لا يطبق نفسه بنفسه، وإنما يتم ذلك من خلال المسلمين.. وما أسوأ ما فعل المسلمون بالإسلام".

 

والكاتب يؤيد بكل وضوح وجرأة السماح بقيام أحزاب دينية، ويبرر ذلك فيقول: "السماح لهم ولغيرهم من التيارات السياسية الدينية بتشكيل أحزابهم له من المزايا ما لا يستهان به، فسوف يلزمون بوضع برامج سياسية، وسوف يدور الحوار معهم على أرض الواقع السياسى، وسوف يكون حوار دنيا لا حوار دين، وسوف يكون هدفهم كراسى الحكم لا قصور الجنة" .

 

من الناحية الأدبية يتميز الكتاب بلغة قوية جدا، وأسلوب أدبى راقٍ ومشوق سلس لا مجال معه للملل على الإطلاق، بل إن القارئ يشعر أنه يخوض سباقا إلى خط النهاية لا يترك له حتى مجالا لالتقاط الأنفاس

 

* كتبت سارة عبد المحسن

*  المصدر : اليوم السابع

 

الموضوع الثاني :

مثقف عراقي يكتب عن فرج فودة وأجواء عدن المخيفة بعد الوحدة

د. رشيد الخيّون

فرج فودة.. توقعنا الاغتيال ونحن في أجواء عدن المخيفة ! فرج فودة كنا شاهدنا المناظرة التاريخية، على هامش دورة معرض الكتاب بالقاهرة 1992، التي اغتيل إثرها الباحث فرج فودة (8 يونيو/ حزيران 1992). كان صيف القاهرة يقترب مِن صيف مدينة عدن الساخن، والاغتيالات على قدم وساق في هذه المدينة، بعد الوحدة اليمنية في مايو (أيار) 1990. كانت المناظرة بين دعاة الدَّولة المدنية ودعاة الدَّولة الدينية، أو الخلافة الإسلامية بشكل مِن الأشكال.

حينها وبتأثير الأجواء الكئيبة والمخيفة لكثرة الاغتيالات، بقينا نترقب اغتيال الباحث العميق فودة في أية لحظة.

كان النزاع على أشده في اليمن، بين الإسلاميين، القادمين مِن الشِّمال، وشيخهم عبد المجيد الزَّنداني، الصيدلاني والشيخ الدِّيني الحزبي، وصوره وخطاباته تملأ صحيفة “الصحوة”، ومقرات حزب الإصلاح، وهو تجمع الإخوان المسلمين باسم جديد، وخصومهم دعاة المدنية بعدن بعد انحسار الاشتراكية من خطاب اليمن الدِّيمقراطية.

 

بعدها قُتل فرج فودة بفتوى من قادة أو شيوخ “الحركة الإسلامية”، التي تحول إليها قاتل فودة من جماعة الدعوة والتبليغ مروراً بالإخوان المسلمين، التي مارست العنف الجهادي، وأقامت لها جمهورية بمنطقة إمبابة المصرية، هذا ما سمعته من تسجيل لأبي العلاء عبد ربه، الذي أُطلق سراحه بقرار مِن الرئيس محمد مرسي مؤخراً، وقابل هذا القرار احتجاج مِن شباب الثورة، ودوائر عديدة مِن المجتمع المصري.

 

كان فرج فودة مدافعاً عن الدولة المدنية، ويعتقد أنه بعد الخلفاء الراشدين لا يمكن الحديث عن دولة مشابهة لها، في تاريخ الخلافة الإسلامية، بإقرار العدالة وإحقاق الحق، فالدول التي أتت بعدها اتسمت بالصراعات والخلافات، واستثنى فترة خلافة عمر بن عبد العزيز (99 ـ 101هـ)، وشهور من تاريخ الخلافة العباسية التي دامت أكثر من خمسمائة عام، وحسب ما سمعته منه في المناظرة المذكورة، التي أذيعت آنذاك على مساحة واسعة، أنها فترة الخليفة المهتدي العباسي (قُتل 256 هـ).

 

قيل كان جماعة من علماء الأزهر قد أفصحوا بفتوى تعتبر فرج فودة مرتداً، وهذا ليس بالغريب إذا علمنا بقصة الشيخ علي عبد الرازق (ت 1966) عام 1925 وكتابه “الإسلام وأُصول الحكم”، الذي لخص فيه أن الإمامة ليست أصلاً في الإسلام، وأن الدولة الدينية لا وجود لها، فحوكم حينها وطُرد من الأزهر، وتلك قصة معروفة.

 

أتذكر أنه في (1991 ـ 1992) كتبت مقالاً في جريدة “صوت العمال” العدنية تحت عنوان “الدين لا يجوّز السياسة”، ومقالات أخرى تحت عنوان أسبوعي “قضايا إسلامية”، وغيرها التي كنت مندفعاً فيها، وغير مقدر الظرف الذي حولي، فكان من الشباب بقية.

 

فأخذت صحيفة الصحوة الإخوانية تنشر دعاية لبحث سينشره أحد شيوخ حزب الإصلاح ضد الكاتب والصحيفة التي كتب فيها، والتي كانوا يسمونها من على منابر المساجد التي يهيمنون عليها بالصحيفة الحمراء، فجاء الرد في حلقتين، احتفظ بهما إلى الآن، وبعد أيام وصلتني رسالة دست إلى الدار فيها وعيد وتهديد.

 

كان رئيس تحرير “صوت العمال” محمد قاسم نعمان، يضع خلفه مدفع رشاش صغير في مكتبه، ويحمل مسدساً، فلما أبلغته بأمر الرسالة، وأن مغادرتي عدن صارت قراراً لا رجعة منه، وعلى وجه الخصوص قطع الراتب لستة شهور من وزارة التربية. قال لي رئيس التحرير: ستتحسن الأحوال، ولا تقلق، فأبقى معنا.

 

اتذكر قلت له: خلفك مدفع رشاش وبيدك مسدس، وأنا ليس لدي سوى هذا! ورفعت له القلم.

 

وأنا اتحضر للحصول على الفيزا الصعبة المنال آنذاك، على العراقيين ومن مدينة صنعاء، قُتل فرج فودة، فكتبت مقالاً بعنوان: “فرج فودة شهيد الحقيقة”! لكن رئيس التحرير فضل، مداراة لظرفي العصيب بعد رسالة التهديد التي أتت من مجهول لا يخرج من دائرة الإسلاميين،، أن يُنشر في اليوم الذي أغادر فيه عدن، وهو يوم الخميس 25 يونيو 1992.

 

أبو العلا محمد عبد ربه أحد المتهمين فى قضية قتل فرج فودة على أية حال، كان اغتيال فرج فودة متوقعاً بعد تلك المناظرة الساخنة في معرض الكتاب، لكن الذي لا يفهم أن الرجل عندما ذكر الشيخ محمد الغزالي (ت 1996)، في المناظرة أثنى عليه، وجعل ما كتبه في أمر الدولة الدينية دليلاً في مداخلته، ويذكره بعزيزنا المحترم إلى غير ذلك، ولما جاء الشيخ الغزالي شاهداً في المحكمة في قضية قتل فودة شهد بردته، وبحق الأمة في تنفيذ حكم القتل، فلا مانع من أن يتقدم أحد الشباب وينفذ الحكم فيه بلا أمر حكومي أو قضائي.

 

مع أن الشيخ الغزالي كان مشهوراً عنه الوسطية والتسامح قياساً بشيوخ آخرين، سواء كانوا أزهريين أو شيوخ الحركة الإسلامية.

 

بعدها ظهر الشيخ العراقي طه جابر العلواني، عبر مقالة تلفزيونية مصرية، الذي له رأي بقتل المرتد مخالف لما جرى، فأوضح أنه عند اللقاء بالشيخ الغزالي جرى حوار حول هذه القضية بالذات، وكان رأيهما متطابقين في شأن عدم إباحة قتل المرتد غير المحارب.

 

أما لماذا يشهد لصالح قاتل فودة، لأن المشتركين الآخرين أعدموا بقضايا أُخرى، وأبو العلاء حوكم بقضية فودة، أجاب الغزالي: إنه أراد انقاذ الشباب القاتلين، فلو شهد خلاف ذلك لأعدموا.

 

انتهى كلام الشيخ طه العلواني !

كان فرج فودة ليس ضد الإسلام الدين، هذا ما قرأناه في كتبه وسمعناه في مناظرته المذكورة، حيث قال: الدِّين أسمى وأجل من توريطه في الحزبية والسياسة المباشرة، إنما كان ضد الإسلام السياسة، أو الإسلام السياسي بالمختصر.

 

ويبدو أنه تعرض لقضية مهمة لدى الإسلاميين وهي قضية الأموال، المفصلية لدى الجماعات الإسلامية عامة، ففيها يدار النشاط وعبرها يتماسك الأتباع. كذلك له سابقة مع الإسلام السياسي، فقد قدم استقالته من حزب الوفد الجديد احتجاجاً على ائتلاف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين.

 

كان مساء يوم الثامن من يونيو، الساعة السادسة، موعداً بين فرج فودة، بالقرب من مكتبه “الجمعية المصرية للتنوير” شارع أسماء فهمي، وقتلته الثلاثة.

 

لكن القتلة قالوا: لم نقرأ كتبه، إنما هناك فتوى بقتله.

 

أخيراً: اطلق سراح القاتل فهل اغلقت القضية، لتكون الدِّماء مباحة لأبناء الأمة، حسب شهادة الغزالي؟!