رسالة سلبية في توقيت القرار الذي جاء بعد إطلاق صاروخ حوثي على مطار بن غوريون.
رغم أن إسرائيل تكتمت على موقفها الرسمي من وقف حليفتها الولايات المتحدة ضرباتها لجماعة الحوثي في اليمن، إلاّ أن مختلف المؤشرات والدلائل تشير إلى امتعاضها من القرار المفاجئ لإدارة الرئيس دونالد ترامب وما ينطوي عليه من رسائل سلبية للدولة العبرية.
*- شبوة برس - صنعاء
تسبّب قرار الرئيس الأميركي المفاجئ وقف حملة القصف لمناطق جماعة الحوثي باليمن في حالة من الامتعاض لم تفصح عنها الدوائر الرسمية الإسرائيلية حفاظا على خصوصية العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، لكن دوائر غير رسمية بدأت بتسريب ما يحيل على المزاج السلبي الذي أشاعه القرار داخل الدولة العبرية والشكوك في دوافع الإدارة الأميركية لاتخاذ مثل ذلك القرار وإن كان يتضمّن موقفا ما من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وقالت مجلة يمينية إسرائيلية، الجمعة، إنّ “اتفاق” ترامب مع جماعة الحوثي بشأن وقف إطلاق النار جاء لتجنب التورط العميق في الساحة اليمنية، حتى لو كان ذلك على حساب أمن الحليفة إسرائيل.
وأوردت مجلة إيبوك في تقرير لها بشأن التطور المفاجئ في الملف اليمني أنّ مصادر أمنية إسرائيلية “قدّرت أن قرار الرئيس الأميركي وقف الهجمات الأميركية على الحوثيين في اليمن هو محاولة لتجنب التورط العميق في الساحة اليمنية، حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار بمصداقيته في نظر إسرائيل وحلفاء آخرين في المنطقة.”
ونقلت المجلة عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن هذا القرار يجسد المبدأ الذي يوجه السياسة الخارجية لترامب الرامية إلى تحقيق الحد الأدنى من التعقيدات، والحد الأقصى من الفوائد المباشرة للولايات المتحدة.
ولفتت إلى أنّ إعلان ترامب المفاجئ جاء في توقيت سيئ بالنسبة إلى إسرائيل، مباشرة بعد إطلاق الحوثيين للصاروخ على مطار بن غوريون.
التوقف عن توجيه ضربات للحوثيين في المنظور الإسرائيلي تجسيد متطرف لشعار "أميركا أولا" الذي ترفعه إدارة ترامب
وقالت في تقريرها “قوبلت هذه الخطوة بالدهشة في الولايات المتحدة وإسرائيل، واعتبرها كثيرون بمثابة محاولة من جانب ترامب للخروج من الصراع في البحر الأحمر، حتى لو كان ذلك على حساب أمن حليفته إسرائيل.”
وأضافت “زعم ترامب أن الحوثيين أبدوا استعدادهم لوقف القتال، لكن مصادر سياسية في إسرائيل تلقت تقييمات من واشنطن تفيد بأن هذا خروج إستراتيجي من المستنقع اليمني، خاصة قبل زيارة ترامب المتوقعة إلى دول الخليج.”
وبحسب مصادر سياسية نقلت عنها المجلة ذاتها فإن هذا الحدث يجسد بشكل متطرف مبدأ “أميركا أولا”، حيث تهتم الولايات المتحدة بمصالحها قبل كل شيء حتى لو أضر ذلك بحليفتها إسرائيل.
ولفتت المصادر إلى أن الحوثيين أوضحوا أن وقف هجماتهم يقتصر على الهجمات على السفن الأميركية، وليس على إسرائيل، وأنهم سيواصلون عملياتهم حتى انتهاء القتال في غزة.
لكن المصادر الأمنية الإسرائيلية تركت باب التفاؤل مفتوحا بالنسبة إلى تل أبيب متوقّعة أن الخطوة الأميركية مؤقتة وتهدف إلى تخفيف التوترات قبل لقاءات ترامب مع الزعماء الخليجيين خلال زيارته الوشيكة للسعودية، وربما أيضا استعدادا لاستئناف المفاوضات مع إيران بشأن الاتفاق النووي.
كما توقّعت المصادر أيضا “أن ترامب يفي بوعده الانتخابي بعدم خوض حروب إضافية، في حين يحاول خلق انطباع خاطئ في عيون الأميركيين بأنه هزم الحوثيين، حتى لو كان ذلك انتصارا وهميا، حيث حرص ترامب على التأكيد في إعلانه عن وقف إطلاق النار مع الحوثيين على أنهم استسلموا.”
واعتبرت المجلة أنه بالنسبة إلى إسرائيل فإن هذا يشكل ضربة قاسية، إذ قد تجد نفسها الآن تواجه الحوثيين في اليمن وحدها، دون دعم أميركي.
قرار ترامب يشكل ضربة قاسية لإسرائيل، وقد تجد نفسها الآن تواجه الحوثيين في اليمن وحدها، دون دعم أميركي
وأشارت إلى أنه بحسب تقديرات مصادر أمنية، فإن قرار ترامب ينبع أيضا من سلسلة من التحديات التكتيكية والإستراتيجية التي جعلت من استمرار التدخل العسكري الأميركي في اليمن عبئا.
وقالت “أدركت الولايات المتحدة أولا أن القصف لم يكسر القوة العسكرية أو الإرادة السياسية للنظام في صنعاء، وتأكدت ثانيا من عدم إمكانية تشكيل تحالف عربي لعمل عسكري بري ضد الجماعة حيث رفضت دول عربية الانضمام إلى الخطوة الأميركية التي تخدم مصالح إسرائيل بالمقام الأول.”
ومن جهة ثالثة، وفقا للتقرير، فإن الدعاية التي حصل عليها الحوثيون من رفعهم شعار مساعدة غزة أعطتهم “شرعية شعبية إقليمية” وجعلت منهم رمزا للوقوف في وجه الغرب وإسرائيل.
وعلى صعيد ميداني عسكري تمكنت الجماعة من إسقاط اثنتين وعشرين مسيّرة أميركية متطورة من طراز أم كيو 9 والتسبب في خسارة ثلاث مقاتلات نفاثة، ما أوجد مخاوف لدى القيادة الأميركية من تعرض حاملة طائرات لضربة مباشرة وهو السيناريو الذي من شأنه أن يعتبر وصمة أبدية للبحرية الأميركية.
إلى جانب ذلك أصبحت الأخطاء في القصف التي يسقط بسببها ضحايا مدنيون ورقة ضغط حقوقية على إدارة ترامب بدأ معارضوه بمحاولة استثمارها.
وفي ضوء مختلف تلك المعطيات المستجدّة بات ترامب، بحسب المجلة الإسرائيلية، “في مواجهة خيارين صعبين، إما التصعيد الذي قد يشمل غزوا بريا مكلفا وخطيرا لمناطق الحوثيين، أو استمرار الضربات الجوية التي أثبتت عدم جدواها. وخوفا من التورط العميق في الملف اليمني اختار خيارا ثالثا وهو الانسحاب من الصراع، دون إنهائه.”
ومساء الثلاثاء أعلنت سلطنة عمان نجاح وساطة قادتها بين واشنطن وجماعة الحوثي أفضت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين.
وجاء الإعلان العُماني بعد ساعات من تصريح للرئيس الأميركي أكد فيه التوصل إلى اتفاق يتضمن وقف الجماعة هجماتها على السفن الأميركية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مقابل إنهاء الحملة الجوية الأميركية ضد مواقعها في اليمن.
وفي المقابل أوضحت جماعة الحوثي أن الاتفاق لا يشمل إسرائيل وأن عملياتها ضدها ستستمر دعما لغزة.
ومنذ منتصف مارس الماضي تعرضت المناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرت الحوثيين لقصف أميركي مكثف شمل أكثر من ألف وثلاثمئة غارة وقصف بحري، ما أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى.