كله حقك يا فلاح.. الانتفاضة الفلاحية في حضرموت 15 يوليو 1972

2025-07-18 09:29
كله حقك يا فلاح.. الانتفاضة الفلاحية في حضرموت 15 يوليو 1972
شبوه برس - خـاص - وادي حضرموت

 

*- شبوة برس – محمد عمر

اليوم الخامس عشر من يوليو يعود من جديد لكنه لا يعود كتاريخ عابر في دفتر الأيام او رزمة التواريخ بل كجرح مفتوح مرت عليه ثلاثه و خمسون عام وما زال يوجع من عاشه ومن ورثه تمر الذكرى ونحن في عام 2025 وقد انقضى نصف قرن على ما سميت ( الانتفاضة الفلاحية )  في حضرموت لكنها في ذاكرة أهل الوادي لم تكن إلا انتفاضة على العدالة لا لأجلها .

ثلاثة و خمسون عامآ مرت ولا تزال المعدات المصادرة في ذمة الدولة ولا تزال الأراضي المغتصبة بلا تعويض ولا تزال الأسر التي شردت تنتظر إنصافآ لم يأت بعد .

 

ثلاثة و خمسون عامآ والخذلان قائم والمساءلة غائبة والذاكرة لا تزال تنزف .

ليس هذا تذكير بما مضى بل تذكير بأن الظلم الذي لا يعترف به لا يشفى وأن المجتمعات التي تطمس ذاكرتها تكرر سقوطها في الوحل .

تحت مظلة ( كله حقك يافلاح ) صادرت الدولة كل أرض تزرع في حضرموت مهما كان حجمها أو نظام ملكيتها حتى القطع الصغيرة التي لا يتجاوز نصيب الفرد فيها ذراعآ واحدآ من أصل قطعة بعرض 12 ذراعآ شملها الاستيلاء لم يكن يهم إن كانت الأرض مشاعة أو ممولة بشراكات أو قائمة على جهود عائلية امتدت لعقود .

 

ولم يتوقف الأمر عند الأرض بل شمل الحراثات والمعدات الزراعية والسيارات الخاصة حتى أثاث المنازل. في مديرية القطن التي أصبحت مركزآ رئيسيآ لتجميع المنهوبات وضعت تلك الممتلكات في ساحات عامة تحت إشراف اللجنة السياسية التي رأسها آنذاك صالح منصر السييلي وقد احتفظ أبناء المنطقة بصور توثق الحراثات والسيارات من نوع لاند روفر والمعدات التي صودرت من بيوت الناس بلا مسوغ قانوني ولا تعويض .

 

في سيئون وتريم وشبام تم سحل العلماء والمشايخ في الطرقات لم يفرق بين من خدم الدين ومن علم الناس ومن حافظ على الأرض تم إعدام رجال دون محاكمات عادلة  وكان ذنبهم الوحيد أنهم يملكون عقار أو أنهم وقفوا موقف صمت أو أنهم لم يصفقوا للهدم .

 

في ذاكرة حضرموت لا تزال تلك السنوات محفورة بدموع لا تجف وبألم لا يهدأ لم تكن مجرد مرحلة سياسية عابرة بل كانت زلزالآ مدمرآ اجتاح حياة الناس وانتزع منهم الطمأنينة التي بنوها بعرقهم وصدقهم وأملهم الطويل  .

لم يكن الذين غزوا من الخارج بل كانت الأيادي التي امتدت إلى البيوت والدكاكين والمزارع أيادي من الداخل من أبناء السلطة نفسها ( عيال الجبهة القومية الدموية) وبأوامر عليا من العاصمة عدن كانت الخدعة محكمة سموا ما حدث انتفاضة فلاحية  لكنه في الحقيقة لم يكن سوى عملية نهب منظمة برعاية الدولة غلفت بشعارات العدالة والتحرير بينما هي في جوهرها مصادرة قسرية لممتلكات الناس ونهبها .

تكشفت خيوط المسرحية باكرآ في وادي حضرموت وقبل شهر من الأحداث بدأ يظهر رجال غرباء لا يعرفهم الأهالي. من بينهم من عرف باسم ناصر أو محسن جعسوس قادم من أبين تمركز في المنطقة منذ يونيو 1972 وتزعم لقاءات تنظيمية حافلة بالتحريض في إحدى المزارع وقف متحديآ الملاك مستفزهم أمام الفلاحين وقرر بجرأة إيقاف نظام العشور الزراعي الذي كان ينظم الشراكة بين المالك والمزارع .

 

في جانب آخر كانت هناك شعارات تحريضية و إعلامية منظمة تمضي على قدم وساق خطب و منشورات و أحاديث في المجالس كلها تصب في تصوير الملاك على انهم إقطاعيين والفلاحين ضحايا هكذا تمت التعبئة وغرس فيهم الكراهية لملاك الاراضي تمهيدآ للنهب باسم الثورة .

أمام هذا الطوفان لم يجد كثيرون من أبناء حضرموت خيارآ سوى الرحيل القسري. هربوا من أرضهم​ من ذكرياتهم​ من مزارعهم التي سقتها دموع الآباء​ ومن بيوتهم التي عمروها بالحجر والعرق خرجوا إلى المنافي يطلبون أمنآ لم يجدوه في وطنهم. ذهبوا لا رغبة في الثراء بل هربآ من ظلم الدولة وعدالة الشعارات البراقة .

 

*- الباحث الشيخ د.محمد أبوبكر باذيب علق بالتالي:

هذه بعض جرائم المجرمين الذين قاموا (انتفضوا) على الدول والسلطنات المستقرة وعلى المواطنين اهل الأرض الشرفاء .. تغيير ديمغرافي شمل الارض والانسان وجرف معه قيم العدالة والأمانة والتاريخ المجيد .. اجهضت الاشتراكية ولكن بعد ماذا؟ بعدما هجر اهل الارض منها بقلوب دامية وأحزان دفنت مع من مات منهم في مهجره ..