يتساءل كثيرون وبحق لماذا لم يقدم رئيس الوزراء ووزير المالية سالم بن بريك، حتى اليوم، على اتخاذ خطوة حاسمة بإلزام المؤسسات والهيئات بتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي، رغم ما يعانيه المواطن من أزمات اقتصادية خانقة، وغلاء معيشي فاحش، وانهيار مستمر للعملة الوطنية..؟!
هذا التساؤل مشروع تماماً، بل ويجب أن يطرح بإلحاح، لأن كل قرار يصدر اليوم لا بد أن يحسب بدقة متناهية، خاصة ونحن نمر بمرحلة حساسة لا تحتمل المغامرات ولا القرارات المرتجلة، فالتحرك غير المدروس قد يتسبب في فقدان البلاد ما تبقى لها من ثقة المانحين والمستثمرين، ويفتح المجال أمام العدو الحوثي لاستغلال الوضع السياسي والاقتصادي لصالحه، مما يهدد مجمل المكتسبات التي تحققت طوال سنوات من النضال الجنوبي.
لكن السؤال الأهم: لماذا يتحمل الجنوبيون وحدهم عبء هذا العبث الإداري والمالي؟ ولماذا يطلب منهم الصبر بينما يتم تجاهل أساسيات بناء الدولة ومؤسساتها؟ أين العدالة في هذا المشهد؟ وأين الحس الوطني في ظل استمرار مؤسسات وشركات وهيئات رسمية في رفضها الصريح لتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي اليمني؟
من المستفيد من هذا الفساد الممنهج؟ ومن يحمي المتورطين؟
ما يحدث ليس سهواً إدارياً، بل استخفاف صارخ بعقول الناس، وضرب لمبدأ السيادة الاقتصادية، وسط صمت حكومي مخجل، لا يمكن تبريره ولا السكوت عنه،
كيف يمكن لوزير المالية وهو المسؤول المباشر عن إدارة المال العام أن يكتفي بدور المتفرج، ويطل علينا كمراقب أو محلل، يتحدث عن المشكلة دون أن يملك شجاعة المواجهة أو اتخاذ القرار؟! أليس من المفترض أن وزارة المالية هي الجهة الوحيدة المخولة قانوناً ابالإشراف الكامل على الإيرادات، بحكم اطلاعها على القوائم المالية السنوية لتلك المؤسسات؟!
إن استمرار هذا الوضع يهدد بانهيار الدولة وفقدان السيطرة، بينما يقترب المواطن من حافة الجوع والاحتقان الشعبي. وإن لم يكن لدى القيادات القدرة أو الإرادة على اتخاذ قرارات جريئة وحازمة، فعليهم أن يرحلوا فوراً ويفسحوا المجال للكفاءات الوطنية النزيهة.
أما الإعلام، الذي يفترض أن يكون سلطة رقابية وشريكاً في بناء الوطن، فقد خذلنا. فبدل أن يواجه المسؤولين ويضغط لفرض الإصلاح، اكتفى بعض الإعلاميين بصناعة "السبق الصحفي" بعد فوات الأوان، وتحويل القضايا الجوهرية إلى محتوى إعلامي استهلاكي يخدم المصالح لا الحقيقة،
إن السكوت عن هذا العبث جريمة، والتهاون فيه خيانة للتضحيات، وليس من حق أحد أن يستمر في منصبه إذا كان عاجزاً عن حماية لقمة عيش الشعب ومقدراته..!!
وهذا أسوأ ما قد تفعله شرعية الاحتلال، ولكن يبقى الجنوب كما عهدناه حراً أبياً شامخاً لا ينكسر..
✍️ ناصر العبيدي