*- شبوة برس - د. احمد الجبل
حينما صمتت البنادق وغاب المصفقون
في لحظة صدقٍ نادرة، خرج مدين علي عبد الله صالح ليروي للعالم شهادة دامغة، لا عن أبيه فقط، بل عن نهاية كل من ظنّ أن السلطة تدوم، وأن من يصفقون اليوم سيقاتلون عنه غدًا.
علي عبد الله صالح، الذي حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، بترسانة من الولاءات والهياكل والعلاقات، انتهى به المطاف يركض في شعاب بلادٍ طالما قال إنه "يُمسك بزمامها"، يركض وحيدًا، لا من حرسه الجمهوري ولا من فرقة "المهمات الخاصة"، ولا حتى من أولئك المزايدين في مديحه على الشاشات.
قالها مدين، وفي صوته كسرٌ لم يكن موجودًا يوم كان يقف خلف أبيه مزهوًّا.
"خرجنا ولم نجد أحدًا، تركوه وحيدًا، كل من أكل من يده، باعه…".
يا لها من عبارة!
من أكل من يده باعه،
من مدحه صبحًا خانه مساء،
من صفق له في القاعات، تركه يُقتل في الكهوف.
أين أولئك الذين كانوا يزحفون وراء موكبه، يطبلون لكل خطاب، ويكتبون فيه شعر المديح؟
أين النُخَب التي "نهبت" معه الوطن؟
أين القبائل التي لبست خناجر الذهب من عطاياه؟
أين العسكر الذين ملأ بهم الحرس؟
أين الإعلاميون الذين "أحرقوا" خصومه كلمات؟
أين هم حين أصبح مطاردًا على بُعد ٣٧ كيلومترًا من قريته
كانت المسافة التي قطعها صالح في آخر ساعاته أقصر من كل تلك السنوات التي قضاها رئيسًا، لكنها كانت أكشف وأفصح.
لا شيء يظل،
لا أحد يُخلص إلا من أحبك لذاتك،
ولا يثبت إلا المبدأ لا المصلحة.
ولم يكتفِ من تركوه بالخذلان، بل سعوا لتجميل فعلتهم بفبركة قصة موتٍ وهمية.
قالوا إنه مات في بيته بشجاعة، كي يُظهروا وفاءً زائفًا،
لكن الحقيقة أنهم أرادوا التغطية على خيانتهم،
وليس تمجيد بطولته.
لم يمُت في داره، بل في طريق هروب،
ولم يكن محاطًا بالأنصار، بل بالخوف،
ومات كما يموت من انفضّت حلقته ولم يتبقَّ له سوى ابنه وبعض رفاقه
هذا ليس مقال شماتة، بل عظة للتاريخ، ومرآة لكل من يظن أن الجماهير تُحب للأبد، وأن القصور تحمي، وأن الثروات تشتري الوفاء.
درس صالح يجب أن يُقرأ في كل قاعة سلطة، وفي كل مجلس سياسي، وفي قلب كل حاكمٍ لا يرى في الناس إلا أرقامًا تُصفق وتنتخب.
.