"عندما تصبح السياسة المالية أداة للإثراء غير المشروع!"

2025-08-04 16:27

 

في الوقت الذي يكافح فيه المواطن اليمني للحصول على قوت يومه، وتُثقل كاهله الأسعار المرتفعة وانهيار الخدمات، كانت هناك نخبة ضيقة من التجار والمتنفذين يحققون أرباحًا طائلة من فوارق سعر الصرف، تحت مظلة ما يُسمى بالسياسة النقدية، وبمباركة ضمنية أو صمت مريب من الجهات المختصة.

 

فريق الخبراء الدوليين التابع للأمم المتحدة سلّط الضوء في تقريره الشهير الصادر في يناير 2021، على واحدة من أكبر عمليات الإثراء غير المشروع، تمّت عبر آلية استيراد السلع الأساسية بالدولار من الوديعة السعودية، والتي كانت تهدف نظريًا إلى تخفيف العبء على المواطنين، لكن ما حدث كان العكس تمامًا.

 

 ماذا كشف التقرير؟

 

وفقًا للتقرير، قام البنك المركزي اليمني – حينها في عدن – بصرف مئات الملايين من الدولارات لكبار التجار بسعر صرف رسمي منخفض، دون شفافية، أو رقابة، أو آليات عادلة للتوزيع.

 

النتيجة؟

استفاد "الهوامير" من شراء الدولار الرخيص.

ثم باعوا السلع بأسعار السوق الحقيقي (المرتفعة)، أو تداولوا العملات في السوق السوداء.

وبذلك حققوا أرباحًا طائلة من فوارق الصرف، دون أن يستفيد المواطن منها فلسًا واحدًا.

 

من يدفع الثمن؟

 

المواطن، كالعادة، كان هو الضحية:

لم تنخفض الأسعار رغم الدعم.

لم يتوفر الغذاء كما يجب.

واستمرت الأزمات، بل تفاقمت.

في المقابل، تضخمت أرصدة التجار، وظهرت مظاهر الثراء الفاحش على حساب جوع الناس.

 

من المستفيد؟

رغم أن التقرير لم يذكر الأسماء صراحة، إلا أن شركات كبرى معروفة في اليمن كانت هي المسيطرة على استيراد القمح، والسكر، والأرز، والزيت، والأدوية، وغيرها من المواد الأساسية.

 

وبينما حصل هؤلاء على الدولار بسعر منخفض من البنك المركزي، رفضوا لاحقًا خفض أسعار منتجاتهم، حتى بعد تحسّن سعر صرف الريال في السوق، مما يؤكد أن الربح هو الغاية الوحيدة، ولا اعتبار لمعاناة الناس.

 

 ما الذي نحتاجه؟

شفافية مطلقة في إدارة السياسة النقدية.

نشر قوائم المستفيدين من أي دعم مالي أو عملة.

فرض تسعيرة عادلة على السلع المدعومة بالدولار.

مساءلة قانونية لكل من عبث بالمال العام وأثرى بغير وجه حق.

 

 ختامًا:

عندما تتحول السياسة المالية إلى أداة للإثراء غير المشروع، ووسيلة لتغذية طبقة طفيلية على حساب الشعب، فإن الأزمة لا تعود فقط أزمة غذاء أو دواء، بل أزمة أخلاق وحكم وضمير.

 

إن استمرار هذا الوضع يعني أننا نسير إلى مزيد من الانهيار، ما لم يتم تجفيف منابع الفساد الاقتصادي، ومحاسبة من جعلوا من الدولار وسيلة لابتلاع لقمة الفقير.