*- شبوة برس - حافظ الشجيفي
لا يمكن الحديث عن إصلاح اقتصادي حقيقي في البلاد دون التطرق إلى أزمة الكهرباء، التي تحولت إلى كابوس يومي يخنق الحياة العامة ويقوض أي فرص للانتعاش. ففي مدينة عدن، كما في غيرها من المدن، أصبح انقطاع التيار الكهربائي سمة يومية، خاصة في فصل الصيف، حيث تتحول البيوت إلى جحيم لا يُطاق، وتتوقف عجلة الإنتاج، وتتراجع الخدمات الأساسية إلى مستويات كارثية. ومع أن حلول هذه الأزمة تبدو واضحة، بل وأحياناً بسيطة مقارنةً بتعقيدات الأزمات الاقتصادية والنقدية التي عالجتها الحكومة مؤخراً، إلا أن الكهرباء تظل المشكلة الأكثر إهمالاً والأقل أولوية في أجندة الإصلاح.
الغريب في الأمر أن الأزمة الاقتصادية، التي كانت تبدو مستعصية، تم احتواؤها جزئياً خلال فترة وجيزة، حيث استعاد الريال اليمني جزءاً كبيرا من قيمته، وبدأت مؤشرات الاستقرار النقدي تظهر رغم عمق الأزمة السابقة. لكن الكهرباء، التي تعتمد في جوهرها على توفير الوقود وتسيير عمليات الصيانة، بقيت خارج حسابات الإصلاح، وكأنها مسألة ثانوية لا تؤثر في الاقتصاد. وهذا تجاهل خطير، لأن استمرار أزمة الكهرباء يعني استمرار شلل نصف الاقتصاد، بل وتفاقم الأزمات الأخرى المرتبطة به.
لا يقتصر تأثير الكهرباء على راحة المواطنين فقط، بل يمتد إلى كل مفصل من مفاصل الاقتصاد. فبدون كهرباء منتظمة، تتعطل المصانع، وتتوقف ورش العمل،ويقل الانتاج وترتفع تكاليف التشغيل بسبب الاعتماد على المولدات الخاصة، مما يرفع أسعار السلع والخدمات. كما أن انعدام الكهرباء يقتل فرص الاستثمار، إذ لا مستثمر سيضخ أمواله الى بيئة تفتقر إلى أبسط مقومات البنية التحتية. والأدهى من ذلك أن القطاعات الخدمية، مثل المستشفيات والمدارس، تصبح عاجزة عن تقديم خدماتها بشكل لائق، مما يفاقم الأزمات الإنسانية ويُبقي المجتمع في حالة من التخلف والتراجع والاحباط.
ومن الناحية الإيرادية، فإن إصلاح قطاع الكهرباء سيوفر للدخل الحكومي موارد إضافية كبيرة. فمع تحسين خدمة الكهرباء، يمكن فرض رسوم واقعية على الاستهلاك، وتقليل الفاقد من الطاقة، ومحاربة الفساد في توزيع الوقود. كما أن انتعاش القطاع الصناعي والتجاري سيزيد من إيرادات الضرائب والجمارك، وسيخلق فرص عمل جديدة، مما يخفف من حدة البطالة ويُعيد تحريك عجلة الاقتصاد المحلي. بل إن مجرد استقرار التيار الكهربائي سيشجع على إعادة هجرة الكفاءات والعقول التي هربت من البلاد بسبب انعدام الخدمات الأساسية.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: إذا كانت الحكومة جادة في إصلاح الاقتصاد، فلماذا تتجاهل الكهرباء؟ هل لأن الإصلاح الحقيقي غير مرغوب فيه؟ أم لأن هناك حسابات سياسية ضيقة تفضل إبقاء المجتمع تحت رحمة الأزمات اليومية؟ حيث لا يُعقل أن تُحل أزمات معقدة مثل انهيار العملة، بينما تُترك أزمة الكهرباء، التي يعرف الجميع أن حلها ممكن لو وجدت الإرادة السياسية. فلو كانت الأولوية حقاً هي إنعاش الاقتصاد، لكانت الكهرباء على رأس القائمة، لأن إصلاحها ليس مجرد تحسين خدمة، بل هو إطلاق العنان لطاقات اقتصادية معطلة.
في النهاية، فإن أي إصلاح اقتصادي لا يبدأ بالكهرباء هو إصلاح ناقص، بل هو إصلاح زائف. فبدون كهرباء منتظمة، تظل المصانع مغلقة، والاستثمارات هاربة، والحياة العامة متعثرة. وإذا كانت الحكومة تريد حقاً إنقاذ الاقتصاد، فعليها أن تبدأ بإصلاح الكهرباء، لأنها ليست مجرد خدمة، بل هي شريان الحياة الاقتصادية. وإلا فليتوقفوا عن الحديث عن الإصلاح، لأن الاقتصاد لا يُبنى في الظلام.