*- شبوة برس – د ياسر اليافعي
كثيرون يظنون أن الحديث عن هشاشة الوضع الاقتصادي أو التحذير من قابلية سعر الصرف للانتكاس نوع من التشاؤم، بينما هذه ليست وجهة نظر شخصية بل حقيقة اقتصادية يعرفها أي باحث. فما يجري اليوم لا يتعدى استخدام أداة واحدة: وقف المضاربة على العملة والضغط على الصرافين، وهي خطوة مهمة لكنها ليست كافية.
الاقتصاد لا يستقيم بالمعالجات الظرفية فقط، بل يحتاج إلى إصلاحات اقتصادية وهيكلية عميقة. ومعنى الإصلاحات الهيكلية هو معالجة جذور الخلل في بنية الاقتصاد:
ضبط المالية العامة وتقليص الهدر والفساد.
استدامة تصدير النفط والغاز وتنمية صادرات غير نفطية.
سياسات تشجع الاستثمار وتوفر بيئة آمنة وجاذبة لرؤوس الأموال.
إصلاح قطاع الأجور لرفع القوة الشرائية للمواطن، بحيث لا يقل الحد الأدنى عن 200 دولار.
وهنا تأتي أهمية الميزان التجاري: كلما زادت الصادرات قلّ الضغط على العملة الأجنبية وتحسن سعر الصرف، بينما ارتفاع الواردات دون إنتاج محلي يعني استمرار النزيف وتدهور العملة. واليوم، ما زالت الحرب تعطل الصادرات النفطية، والاستثمارات مكبلة، والصادرات غير النفطية في تراجع، بينما الواردات في تصاعد والطلب على الدولار يتضاعف.
للمقارنة، يمكن النظر إلى التجربة المصرية: فقد دخلت مصر في برنامج إصلاح اقتصادي هيكلي بدعم من صندوق النقد الدولي منذ 2016، تضمن تحرير سعر الصرف، إصلاح دعم الطاقة، إعادة هيكلة المالية العامة، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي. ورغم التحديات القاسية، ساعدت هذه الخطوات في جذب الاستثمارات، وتحقيق استقرار نسبي في النمو، وتقليص عجز الميزان التجاري.
الرسالة الواضحة هي أن أي تحسن في سعر العملة سيظل هشاً إذا لم يترافق مع إصلاحات اقتصادية هيكلية شاملة، تضع الاقتصاد على مسار استدامة حقيقية بدل الاعتماد على حلول قصيرة المدى.