سلفية قادمة من دولة الحوثي إلى الجنوب تحصل على مال سياسي مجهول المصدر: من عدوها؟!

2025-08-26 20:59
سلفية قادمة من دولة الحوثي إلى الجنوب تحصل على مال سياسي مجهول المصدر: من عدوها؟!
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

*- الجنوب والمنطقة برمتها تُدفعان إلى مستقبل مفتوح على هاوية الانهيار

*- الجنوب بين تآكل الشرعية وانتشار مدن السلفيين اليمنيين

 

*- شبوة برس – مراقب جنوبي

إثارة اهتمام الإقليم والعالم لتقديم دعم سياسي واقتصادي أكبر لما يُسمى بالشرعية اليمنية في مواجهة الحوثي ليست مهمة سهلة، بل تكاد تكون أقرب إلى المستحيلة. فهذه الشرعية التي استنزفت حلفاءها وأغرقت الداخل والخارج بوعودها الفارغة، راكمت تاريخًا طويلًا من الخيبات والانتكاسات. 

على المستوى العسكري، عجزت عن تحقيق أي إنجاز يذكر في مواجهة انقلاب الحوثي. تحولت إلى كيان عاجز يدار بمنطق الصفقات والسمسرة. أما إدارة القرار السيادي، فقد أُفرغت من مضمونها، بينما تحولت الوجوه السياسية البارزة إلى مقاولات زبائنية، لا تجيد سوى استغلال المال العام والوظيفة العامة لشراء الولاءات والمواقف.

 

ومع ذلك، فإن تجاهل محاولة دفع الإقليم والعالم نحو تقديم حلول جذرية تُعالج جذور هذا الصراع سيترك فراغات استراتيجية خطيرة. فالمساحات التي تخلت عنها الشرعية طواعية ستملؤها إيران، أو جماعات لادولتية، أو مشاريع فوضوية عابرة للحدود، وغياب البدائل الحقيقية يعني ببساطة أن الجنوب والمنطقة برمتها تُدفعان إلى مستقبل مفتوح على كل احتمالات الانهيار.

 

وإذا كان خطر الحوثي حاضرًا، فإن الخطر المستتر الذي يُدار في الظل لا يقل خطورة. ذلك أن الجنوب اليوم يواجه ظاهرة أخطر من ضعف الشرعية وانصراف اهتمام العالم عنهما، تتمثل في الانتشار الممنهج لمراكز ومعاهد دينية تُرفع تحت لافتة "السلفية". يقود هذه المراكز يمنيون قادمون من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثي، ويتدفق إليها المال السياسي من مصادر مجهولة، في وقت تُغض الشرعية الطرف عنها، بل وتوفر لها الحماية والتسهيلات. إن هذا التواطؤ الفجّ يكشف أن الشرعية لا تكتفي بعجزها العسكري والسياسي، بل تفتح أبواب الجنوب أمام قوى دينية متشددة تتخفى بلبوس الدعوة، بينما تحمل مشاريع أمنية وفكرية تمثل تهديدًا مباشرًا للنسيج الاجتماعي الجنوبي.

 

هذه المراكز ليست بريئة، ولا يمكن النظر إليها على أنها مجرد منابر دينية. إنها منصات لتفخيخ العقول وتهيئة بيئة خصبة لتكاثر الجماعات اللادولتية، وإعادة إنتاج النسخ المعدلة من القاعدة وداعش. الأخطر من ذلك أن هذه المشاريع تُغذي الانقسام المجتمعي، وتزرع الارتباك في الأولويات الوطنية الجنوبية، وتضعف مناعة المجتمع أمام أي تسوية سياسية قد تفرضها قوى إقليمية أو دولية. الشرعية هنا تتحول إلى مظلة حماية لهذه المعاهد، لتؤكد مجددًا أن وظيفتها الأساسية لم تعد تمثيل الشعب أو حماية مصالحه، بل صناعة الأزمات وإطالة أمد الصراع.

 

والمفارقة أن موت الشرعية البطيء يبدو أكثر خطورة من سقوطها المفاجئ. فلو سقطت فجأة، لانفتحت إمكانية بناء بدائل واضحة. أما استمرارها في التآكل، فإنه يعني تعميق حالة الفراغ، وإطلاق العنان لمزيد من الفوضى. هذه الفوضى ستفرز بالضرورة جماعات لادولتية، وتفتح الأبواب أمام الشلل السياسي، وتكرس الابتزاز الاقتصادي، وتعمّق المراوحة القاتلة التي يعيشها اليمن والجنوب منذ سنوات.

 

والأدهى أن المجتمع الجنوبي سيكون هو الضحية الأولى لهذا المسار. فمع موت الشرعية البطيء، سيجد الجنوب نفسه ممزقًا بين خوفٍ من مستقبل غامض وحنينٍ إلى استقرار مزيّف لا وجود له. هذا التمزق سيجعل المجتمع قابلًا لتسويات قاتلة تُفرض عليه من الخارج، وتسويات داخلية مبنية على الانقسام والابتزاز، لا على بناء الدولة أو حماية السيادة.

 

إن الجنوب يقف اليوم في عين العاصفة، ليس لأنه عاجز عن حماية نفسه، بل لأن القوى المفترضة أن تمثله وتدافع عنه تحولت إلى عبء وتهديد. الشرعية لم تعد شرعية إلا بالاسم، وما تبقى من وجودها مجرد أداة لتأجيل السقوط لا أكثر. أما المراكز الدينية التي تتغذى على فوضى الشرعية وصمتها، فهي الوجه الآخر لانهيار الدولة وتآكل مؤسساتها.

 

من يراهن على بقاء هذه الشرعية كإطار جامع أو حامل لمشروع وطني، إنما يراهن على سراب. ومن يغض الطرف عن تمدد المشاريع السلفية المشبوهة في الجنوب، يساهم في تفكيك آخر ما تبقى من مناعة اجتماعية وسياسية. إن الجنوب بحاجة إلى مشروع وطني سيادي جديد، لا يُعيد تدوير وجوه الفشل ولا يفتح أبوابه لمشاريع دخيلة، بل يعيد الاعتبار لإرادة الناس، ويضع الأساس لقيام دولة تحمي مجتمعها لا أن تتواطأ على تمزيقه.

 

*- مراقب جنوبي