*- شبوة برس – ناصر العبيدي
ما نعيشه اليوم في عدن وبقية المناطق المحررة ليس مجرد كارثة عابرة، بل هو مشهد متكرر لفوضى ممتدة، ونتيجة حتمية لتراكم سنوات من الفساد، الإهمال، واللامسؤولية على مختلف المستويات.
لم تكن الأمطار الأخيرة مفاجئة، ولم تكن السيول حدثاً طارئاً، لكن الكارثة الحقيقية كانت في غياب الدولة، وتخاذل السلطات، وتواطؤ بعض القيادات والنخب المالية، بل وحتى تقاعس شرائح من المواطنين. كل ذلك شكل خليطاً كارثياً جعل من رحمة السماء نقمة على الأرض.
عدن تغرق.. والحكومة غائبة..
شهدت العاصمة عدن ومحافظة لحج أضراراً جسيمة نتيجة السيول الجارفة التي أتت على منازل المواطنين، وجرفت معها أجزاء من الطرقات الحيوية، وقطعت الاتصالات بين مناطق عدة، وسط صمت رسمي مخجل ومريب.
أحياء بأكملها مثل "الحسوة" غمرتها المياه، بعد أن تحول الوادي الطبيعي إلى سكن بفعل تصرفات عبثية غير مسؤولة، اعتمدتها جهات حكومية رسمياً! تخيلوا، أراض في مجاري السيول يتم بيعها بمستندات رسمية، ثم يترك سكانها لمصيرهم عندما يحين موعد الكارثة.
فضيحة الطرق والمشاريع المغشوشة..
الأمطار الأخيرة لم تكن مجرد اختبار طبيعي، بل كانت كاشفة للفساد البنيوي في مشاريع البنية التحتية. طرقات بملايين الريالات تنهار بعد أول مطر، لا مصارف للمياه، لا دراسات هندسية حقيقية، ولا محاسبة للمقاولين المنفذين.
أين ذهبت أموال تلك المشاريع؟ من يجرؤ على فتح هذا الملف؟ لقد آن الأوان لمحاسبة كل من تلاعب بقوت الناس وأمنهم، سواء في عدن أو لحج أو غيرها من المحافظات المنكوبة.
الانهيار الاقتصادي.. جريمة موثقة بالصمت..
ثماني سنوات من الانهيار الممنهج للعملة، والمضاربة المتكررة، لم تكن نتيجة ضعف إداري فحسب، بل نتيجة نهب منظم، شارك فيه بعض التجار والصرافين برعاية مراكز نفوذ، وتحت نظر السلطات، دون حسيب أو رقيب.
والمؤلم أكثر؟ أن الناس جميعاً كانوا يشاهدون هذا الانهيار... بعضهم صمت، وبعضهم رضي، وبعضهم شارك فيه، بينما كانت الطبقات الفقيرة تموت ببطء تحت وطأة الجوع والغلاء.
عدن.. من منارة حضارة إلى مدينة منكوبة..
ما أشد الوجع حين نرى مدينة كانت منارة للعلم والثقافة، تتحول إلى بقعة يغلفها الجهل والتخلف، ويحاصرها الخراب من كل اتجاه. هذا ليس قدر عدن، بل نتيجة خذلان داخلي، وسوء إدارة ممن يفترض أنهم في موقع المسؤولية.
الفرصة الضائعة.. وسقوط النصر..
كان بالإمكان لو تم إصلاح الوضع في المناطق المحررة أن يحسم مصير ميليشيا الحوثي منذ سنوات. لكن الواقع أن البعض وجد في بقاء الحوثي فرصة استثمار سياسي أو مالي، فتم تجميد الجبهات، وتعطيل القرار، وأُعيدت عقارب النصر إلى الوراء.
كفى صمتاً! ما يحدث ليس قدراً لا يرد، بل نتيجة مباشرة لصمت الناس، ولثقافة المجاملات، والمحسوبية، والمناطقية، التي ما زالت تنخر في جسد هذا الوطن الجريح.
حان وقت المكاشفة. حان وقت أن يرفع الناس صوتهم دون خوف. حان وقت المحاسبة، لا التبرير. وحسبنا الله ونعم الوكيل..!!
✍️ ناصر العبيدي