*- شبوة برس - حافظ الشجيفي
هل يعقل أن الحكومة بكاملها، وبكل قوتها وجبروتها وقوانينها وهيبتها وصلاحياتها لم تستطع إلزام شركة الغاز، وهي مجرد مؤسسة تابعة لها وتخضع لسلطتها المباشرة، بضبط وتخفيض أسعار بيع الغاز بما يتناسب مع انخفاض أسعار العملات الأجنبية أمام الريال اليمني؟ وهل تستطيع هذه الشركة، أن ترفض قراراتها وإجراءاتها، ثم تسكت الحكومة أمام هذا الرفض الصارخ، ولا تتخذ أي إجراء عقابي ضد الشركة ومسؤوليها؟
إن مجرد طرح هذه الأسئلة يكشف عن عبثية المشهد السياسي والاقتصادي الذي نعيشه. فشركة الغاز، وهي مجرد شركة حكومية، لا تمتلك أي منطقٍ أو قوةٍ أو سندٍ قانونيٍّ يمنحها الحق في رفض قرارات الحكومة التي تتبعها. فهل هذه الشركة ملكٌ لرئيسها الذي يرفض الامتثال لإجراءات الحكومة، أم أنها ملكٌ للحكومة التي عينت رئيسها بقرارٍ منها ليشغل هذا المنصب، وتستطيع أن تخلعه بقرارٍ مماثل في اي لحظة بل وتودعه السجن ايضا؟
إن أسعار النقل والمواصلات لا تزال تُحسب بأسعار الصرف القديمة المرتفعة التي كانت عليها قبل أن يشهد الريال اليمني تحسنًا ملحوظًا في قيمته أمام العملات الأجنبية، والذي اقترب من النصف منذ شهرين. والذريعة الواهية التي تُقدم لتبرير هذا التمرد هي امتناع رئيس شركة الغاز عن الامتثال لإجراءات الحكومة القاضية بتخفيض أسعار بيع الغاز. فكيف يمكن لموظفٍ لدى الحكومة أن يرفض قراراتها العليا، وكأن هذه الشركة ملكا خاصٌا له؟ بل حتى لو كانت ملكًا خاصًا له، فهو لا يستطيع أن يعترض مجرد إعتراض على قرارات وإجراءات الحكومة، فكيف بجروء على ذلك وهو مجرد موظفٍ لديها، ومعينٌ من قبلها لتنفيذ قراراتها وأوامرها وإجراءاتها دون نقاش ثم لا تحرك الحكومة اي ساكن حياله..
من الواضح أن رئيس شركة الغاز لا يستطيع رفض قرارات الحكومة أبدًا. ولكنه في الوقت نفسه، مدعومٌ في السر من الحكومة نفسها ليرفض أوامرها في الظاهر فقط. لأن الحكومة في الحقيقة غير جادةٍ في الإصلاحات التي تقوم بها، حيث تقدم حججًا وذرائع واهيةً وتافهةً وغير منطقيةٍ البتة، لتبرير إمعانها في إنهاك المواطن واستنزاف موارده المالية الزهيدة بأساليب حقيرة.
والأمر الأكثر إثارة للسخرية هو أن أسعار أجرة المواصلات كانت مرتفعةً جدًا بالمقارنة مع أسعار الغاز الحالية التي لم تنخفض مع انخفاض أسعار العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني. فعشرون لترًا من الغاز تُباع منذ فترة ذويلة بعشرة آلاف ريالٍ يمني، وأجرة الراكب من المعلا إلى الشيخ عثمان هي 500 ريالٍ يمني. بينما يمكن لصاحب الباص أن يذهب ويعود من المعلا إلى الشيخ عثمان ثمان مراتٍ على اقل تقدير بعشرين لترًا من الغاز فقط واذا ضربنا 500 اجرة الراكب الواحد في 7 ركاب حمولة الباص في كل مرة فان المبلغ يساوي 3500 ريال واذا ضربنا هذه النتيجة في 8 عدد المرات التي يذهب فيها الباص من المعلا للشيخ عثمان ويعود فان اجمالي المبلغ الذي يجنيه السائق من كل عشرين لتر غاز يساوي 28000 ريال بفارق ربح لا يقل عن 18000 ريال
ولتأكيد هذه الحقيقة يكفي ان نعلم أن هناك باصات أجرةٍ مماثلة كثيرةً تعمل بالبنزين، وليس بالغاز، حيث كان سعر العشرين لترًا من البنزين قبل ان ينخفض مؤخرا بـ 38 ألف ريالٍ يمني، بينما أجرة الباص، مثلاً، من المعلا إلى الشيخ عثمان للراكب الواحد هي نفسها 500 ريالٍ يمني. فتخيلوا الفارق في الربح الذي يجنيه صاحب الباص الذي يعمل بالغاز، ويتقاضى نفس الأجرة التي يتقاضاها صاحب الباص الذي يعمل بالبنزين.
هذه اللعبة التي تمارسها الحكومة تستهدف استنزاف أموال المواطن الجنوبي بغرض تركيعهِ وإخضاعه. فالمؤكد انها سياسةٌ ممنهجةٌ تهدف إلى إفقار الشعب وتكريس معاناتهِ، تحت ستارٍ من الإصلاحات الوهمية والذرائع الواهية. ويجب على الحكومة أن تعي خطورة ما تقوم به، وأن تعود إلى رشدها، وأن تضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.