في المشهد السياسي والإعلامي الذي نعيشه اليوم، تُعرض لنا الأحداث وكأنها نتيجة لصراعات وتنافسات طبيعية حيث نرى مسؤولين يتنافسون على السلطة، وسياسيين يختلفون في الرؤى والمشاريع، وجهات تتبادل الاتهامات وتتراشق بالتصريحات، وتوترات وخصومات وحروب تحتدم هنا وهناك. وصحفيون ينتقدون الأداء الحكومي، أو يمدحونه، بينما يصطف آخرون مع طرف ضد آخر، ويدافع ناشطون مدنيون عن قضايا مفتعلة. هذه الصورة الظاهرية هي ما يُعرض على الجمهور، ولكنها ليست هي الصورة الكاملة أو الحقيقية للواقع.
فالتحليل المنطقي للواقع يشير إلى وجود بنية أكثر تماسكاً ودقة تعمل خلف الكواليس، حيث تتشابك خيوط الخارج والسلطة والإعلام والمال بطريقة يصعب على المواطن العادي إدراكها. فتتكشف أمامنا شبكة مصالح متكاملة لا تقتصر على فئة واحدة، بل تشمل مسؤولين رفيعي المستوى، بدءًا من رئيس الدولة إلى بعض مديري العموم في الحكومة، وسياسيين، وإعلاميين، وناشطين بل ومفسبكين ايضا وهؤلاء جميعاً يعملون بتناغم تحت مظلة واحدة لتحقيق أهداف خارجية، ضد مصلحة الشعب والوطن.
ولا يمكن فهم هذه الشبكة المعقدة دون إدراك الدور المحوري الذي يلعبه "المخرج". من خلف الكواليس وهذا المصطلح لا يعني بالضرورة شخصاً واحداً، بل يشير إلى قوى دولية ذات مصالح استراتيجية في البلاد هي التي تدير اللعبة بأكملها، وتوزع الأدوار على اللاعبين المحليين، سواء كانوا في سدة الحكم، أو على منابر الإعلام، أو حتى بين المفسبكين والناشطين السياسيين والمدنيين. وهي التي ترسم السيناريوهات وتملي على الأطراف المحلية ما يجب أن يقولونه وما يجب أن يفعلونه.
وفي هذا السياق، لا يتم تعيين المسؤولين وصناع القرار في مناصبهم بناءً على الكفاءة أو النزاهة، بل يتم اختيارهم بناءً على ولائهم لتلك القوى الخارجية التي تقف خلفهم، وقدرتهم على تنفيذ أجنداتها دون تردد أو نقاش في حين تمنحهم مقابل ذلك امتيازات ومناصب لضمان التزامهم الكامل بتوجيهاتها. أما الصحفيون والإعلاميون، فغالبيتهم ليسوا بالضرورة صحفيين أو إعلاميين بالمعنى المهني. بل يتم تلميعهم وصناعة الشهرة والهيلمان لهم من العدم، حتى وإن كانوا يفتقرون للموهبة أو النزاهة المهنية. بهدف تحويلهم إلى أدوات فعالة للتأثير على الرأي العام، وتضليله، وتسميم وعي الجماهير، وتمرير سياسات معينة من خلالهم، أو إثارة الفتن والانقسامات، أو تشويه صورة أطراف معينة او تمجيد أخرى خدمةً للأجندات الخارجية.
أما ما نراه من صراعات وخلافات او تحالفات بين المسؤولين، أو بين الإعلاميين، أو السياسيين والمكونات السياسية المختلفة، ليس بالضرورة صراعات او تحالفات حقيقية. فهذه الخصومات والتحالفات ماهي إلا مجرد "تمثيلية" أو جزء من سيناريو أكبر يتم إخراجه بعناية فائقة. بغرض تشتيت انتباه الشعب وإشغاله بقضايا جانبية، وتضليله عن الحقيقة، بينما يتم تمرير السياسات والقرارات التي تخدم المصالح الخارجية في الخلفية.
كما تخدم هذه اللعبة المزدوجة أغراضاً متعددة؛ فهي تدير الصراع بطريقة منظمة بدلاً من تركه مفتوحاً حتى لا يخرج عن السيطرة، حيث يقوم كل طرف بالدور المخصص له. كما أنها تؤثر على الوعي الشعبي، بإقناعه بأن ما يحدث هو صراع محلي طبيعي، بينما الواقع أن كل الأطراف تعمل في نفس الشبكة. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تضعف النسيج الاجتماعي، حيث تستخدم الخصومات الظاهرية لخلق انقسامات بين فئات الشعب وإضعاف جبهته الداخلية، مما يجعله أكثر عرضة للتخلخل والسيطرة، وبالتالي التلاعب بإرادة الشعب وإرغامه على القبول بمشاريع وأجندات سياسية يرفضها في الواقع لأنها تتعارض مع مصالحه العامة.
الخلاصة هي أن الكثير من الأحداث التي نراها في المشهد السياسي والإعلامي ليست سوى واجهة لعمليات أعمق وأكثر تعقيدًا. فهي شبكة متكاملة من المصالح، حيث تتلاشى الخصومات الفردية لتندمج في هدف واحد مشترك: خدمة أجندات خارجية على حساب مصالح الشعب والوطن.والحقيقة لا تكمن في ما يقال علنًا، بل في ما يجري خلف الأبواب المغلقة. والتفكير في مدى انطباق هذا التحليل على واقعنا اليوم، والبحث عن الأدلة التي تدعم أو ترفض هذه الفرضية، هو دعوة ضرورية للتفكير النقدي والبحث عن الحقيقة الكامنة تحت السطح.