*- شبوة برس – عبدالله بن هرهرة
في المشهد الجيوسياسي المتشابك، لم يعد الحوثي مجرد ميليشيا محلية أو أداة إيرانية فحسب، بل تحول إلى عنصر مؤثر في لعبة القوى الدولية الأوسع، حيث تمتد تأثيراته من أوكرانيا إلى تايوان، ويعيد تشكيل توازنات التجارة العالمية والتحالفات الإستراتيجية.
1. الارتقاء إلى مصاف الأداة الدولية
لم يعد الحوثي حكراً على الاستخدام الإيراني، بل أصبح ورقة ضغط إقليمية ودولية بالغة الأهمية:
الدور الإيراني: لا تزال طهران تستخدم الحوثي كورقة ضغط رئيسية في البحر الأحمر، للسيطرة على مضيق باب المندب الذي يُعد شرياناً حيوياً للتجارة العالمية.
البُعد الدولي: في إطار الصراع المتصاعد بين محوري الشرق (روسيا، الصين، إيران) والغرب (الولايات المتحدة، أوروبا، إسرائيل)، برز الحوثي كأداة فعالة لإلحاق الضرر ليس فقط بمنافسي إيران الإقليميين (السعودية والإمارات)، بل أيضاً بشبكة التجارة العالمية الحيوية للهند والغرب.
2. الجبهة الجنوبية في صراع متعدد المسارح
أصبحت عمليات الحوثي جزءاً من استراتيجية ضغط متعددة الجبهات يُمارسها محور الشرق ضد الغرب:
جبهة أوكرانيا وتايوان: تضغط روسيا على الغرب في أوكرانيا، بينما ترسل الصين رسائل تهديدية بشأن تايوان عبر التعاون العسكري مع موسكو.
دور الحوثي: في هذه المعادلة، يمثل الحوثي "الجبهة الجنوبية" التي تضغط على المصالح الغربية عبر تعطيل الملاحة في البحر الأحمر. وهو ما يشكل ضغطاً متزامناً ومتناسقاً مع الضغوط الروسية في أوروبا الشرقية والصينية في المحيط الهادئ.
ربط الأزمات: بذلك، قد يصبح الحوثي أداة لربط الأزمات الدولية؛ حيث يمكن لأي تصعيد في أوكرانيا أو حول تايوان أن يقابله اضطراب متعمد في طرق التجارة البحرية، مما يعقد حسابات الغرب ويُشتت تركيزه.
3. ضرب المشاريع الاقتصادية المنافسة لمشروع "الحزام والحرير"
يستهدف تعطيل الملاحة في البحر الأحمر مشاريع التجارة الغربية بشكل مباشر ويعطي الأفضلية للمشاريع الصينية:
الغرب والهند: سعت الاستراتيجية الغربية إلى تعزيز الهند كقوة اقتصادية وتجارية منافسة للصين.
دور الحوثي: يأتي تعطيل الممر البحري عبر الهجمات ليعطل ما يمكن تسميته "طريق الحرير الغربي-الهندي"، مما يلحق الضرر بالمصالح الاقتصادية للغرب والهند معاً، ويُضعف مشاريعهما المشتركة. في المقابل، يعطي هذا الاضطراب ميزة غير مباشرة للممرات التجارية البديلة التي تروج لها الصين ضمن مشروع "الحزام والطريق".
4. "ورقة الجوكر" في لعبة الشطرنج الكبرى
أصبح الحوثي عاملاً لا يمكن الاستهانة به في المعادلة الاستراتيجية العالمية:
نتيجة عكسية للضغوط الغربية: بدلاً من تفكيك التحالف بين روسيا والصين، أدت الضغوط الغربية إلى تعزيز التنسيق بين موسكو وبكين.
قوة التأثير غير المتناسبة: في هذا التحالف، يلعب الحوثي دور "ورقة الجوكر" – لاعب صغير بتكلفة منخفضة، لكنه قادر على إرباك الخصوم من خلال تهديد ممر بحري حاسم بتكلفة ضئيلة، مما يخلق تأثيراً مضاعفاً على موازين القوى العالمية يفوق حجمه بكثير.
تحول الحوثي من مجرد أداة في الصراع الإقليمي إلى عنصر فاعل في الصراع الدولي الشامل. لم تعد تأثيره محصوراً في البحر الأحمر، بل امتدت ارتداداته لتشمل ملفات أوكرانيا وتايوان، وتعيد ترجيح كفة المشاريع الاقتصادية العالمية. في هذه اللعبة متعددة المستويات، أن "الحركة الصغيرة" (كهجوم حوثي) يمكن أن تقلب "المعادلة الكبرى" وتعيد تعريف موازين القوى العالمية.