حماية الجنوب.. رفض توظيف الدين لأجندات سياسية وحدوية يمنية

2025-09-09 06:54
حماية الجنوب.. رفض توظيف الدين لأجندات سياسية وحدوية يمنية
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

رفض الجنوب لمراكز الحجوري حماية لأمنه ومنع توليد عناصر إرهابية جديدة

 

*- خاص لـ "شبوة برس"

تشير الحقائق الثابتة إلى أن مراكز التيار الديني التي تزعمها الحجوري ومحمد الإمام وغيرهم، مثلت بيئات خصبة للتطرف، حيث خرجت منها مئات العناصر التي انضمت إلى تنظيمات متطرفة مثل القاعدة وداعش وأنصار الشريعة. جميع هؤلاء حملوا السلاح وقاتلوا في عدن وأبين وشبوة وحضرموت، لكنهم لم يوجهوا طلقة واحدة ضد قوات الشمال أو الحوثيين. هذا يكشف بوضوح طبيعة المهمة الموكلة إليهم: استهداف الجنوب تحديدًا، وليس الدفاع عن الدين أو محاربة الباطل.

 

أدرك أبناء الجنوب، بعد عقود من المعاناة، أن إعادة فتح مثل هذه المراكز يعني إحداث ثغرات أمنية في مجتمع يسعى جاهدًا لبناء استقراره. لقد علمتهم التجربة أن هذه المراكز ليست أماكن لتعليم القرآن والفقه، بل أدوات لاختراق المجتمع وتحويل أحياء ومدن بأكملها إلى بيئات متطرفة. الجنوب الذي يحاول تأسيس دولة قانون لن يقبل أن يتحول إلى ملاذ للتطرف تحت سمع العالم وبصره.

 

لا يقف الخطر عند حدود الخطاب المتشدد، بل يتعداه إلى محاولة طمس الهوية الدينية الجنوبية الأصيلة واستبدالها بخطاب يخدم أجندات سياسية خارجية. هنا يكمن جوهر الصراع: الجنوب لا يرفض الدين، لكنه يرفض أن يصير الدين أداة لاختراقه وإعادته إلى الهيمنة الشمالية. المجتمع الجنوبي، بتاريخه وطبيعته، مجتمع منفتح ومتسامح، ولا يقبل فرض خطاب ديني متطرف عليه يجرّه إلى صراعات لا تمت إليه بصلة.

 

أصبح الجنوبيون أكثر وعيًا وحذرًا تجاه أي محاولة اختراق قادمة من الشمال، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو دينية. لقد خلّفت ثلاثة عقود من الوحدة شكوكًا عميقة، وأي حديث عن فتح مراكز دينية شمالية في الجنوب يُقابل بالرفض والريبة، لأنها تُفهم في إطارها السياسي والأمني وليس الديني.

 

كما أصبح العالم أكثر إدراكًا لخطر هذه المراكز. القوى الإقليمية والدولية تراقب أي نشاط يمكن أن يعيد إنتاج التطرف في الجنوب. المجتمع الدولي، الذي عانى من تبعات "القاعدة في جزيرة العرب"، لن يتسامح مع عودة "مدارس" تتحول إلى مصانع لإنتاج العنف والتطرف.

 

الرفض الجنوبي لهذه المراكز ليس رفضًا للدين، ولا حربًا على التعليم الشرعي المعتدل، بل هو رفض لتسييس الدين وتحويله إلى أداة اختراق. الجنوب يريد حماية إسلامه المعتدل، والحفاظ على هويته، وبناء مستقبل مستقر خال من الخطابات المتطرفة التي مزقت المنطقة وأغرقتها في الدماء.

 

ذاكرة الجنوبيين ليست صفحة بيضاء يمكن محوها بالوعود أو الشعارات. المعاناة منذ 1990، بما فيها من فتاوى التكفير والنهب والقمع، لا تزال حية في الوعي الجمعي. كل دعوة لفتح مراكز جديدة تذكرهم بحرب 1994 وجرائم الإرهاب، لذا فإن رفضهم ليس رد فعل عاطفيًا، بل موقفًا راسخًا نابعًا من تجربة مريرة.

 

إن إقامة مراكز مثل هذه في الجنوب أشبه بزرع ألغام مؤجلة في جسد مجتمع يتوق للتعافي. رفض الجنوبيين هو دفاع عن هويتهم المعتدلة، وتاريخهم، ورموزهم الوطنية، ومستقبلهم الذي يريدونه خاليًا من التطرف. الدين لله، والوطن للجميع، ولا مكان فيه للمتاجرين بالدين أو المتلاعبين بعقول الشباب.

 

*- مقتبس من موضوع للأستاذ "هاني مسهور"