في الوقت الذي يعيش فيه اليمن والجنوب أوضاعًا سياسية معقدة، خرج رئيس حزب الإصلاح، محمد عبدالله اليدومي، ببيان يدعو فيه إلى تأسيس "ميثاق شرف سياسي جديد"، وعقد سياسي محكوم بالقانون والدستور. غير أن هذه الدعوة تثير أكثر من علامة استفهام، خصوصًا وأن من يطلقها هو نفسه أحد أقطاب المشهد السياسي الذي عُرف تاريخيًا بعرقلة النظام والقانون، وباستخدام الدين والشعارات كأدوات للنفوذ والسيطرة.
يبدو واضحًا أن اليدومي، بعد أن وجد نفسه وحزبه خارج السلطة شكلاً، يحاول أن يعود إليها عبر ظلال النفوذ الخفي، مستخدمًا خطابًا تجميليًا يوحي بالبحث عن القانون والنظام، بينما الحقيقة أن تلك المفردات كانت دائمًا مجرد شعارات تُرفع عند الحاجة وتُعطَّل عندما تتعارض مع مصالح الحزب.
المفارقة أن اليدومي يتحدث عن "عقد سياسي جديد" بينما الدستور معطل، والقوانين مرتهنة، والدولة منهوبة من أطراف عدة. أي معنى يمكن أن يكون لميثاق سياسي في غياب دولة تحتكم للقانون أصلاً؟ وأي صدقية يمكن أن تُمنح لخطاب صادر ممن مارس سياسة الإقصاء وتزييف الوعي على مدى عقود؟
الرمزية هنا لافتة: كما عبد قوم سبأ الشمس فغابت عنهم الحقيقة، يريد اليدومي أن يجعل من "شمس الإصلاح" نورًا زائفًا يغطي الحقائق، فيظهر نفسه كمنقذ بينما الواقع يشهد أنهم كانوا شركاء أساسيين في إنتاج الأزمات لا في حلها.
الميثاق الحقيقي لا يُولد من بيانات فوقية ولا من محاولات لإعادة تدوير الأزمة عبر نفس الأدوات القديمة. الميثاق المطلوب هو ذاك الذي ينبع من إرادة الشعوب الحرة، ويؤسس لمسار جديد تُبنى فيه الدولة على العدالة، وتُحترم فيه الحقوق والحريات، ويكون القانون فيه سيدًا لا أداة بيد جماعة أو حزب.
إن أي محاولة للالتفاف على إرادة الشعوب عبر صيغ جديدة من "مواثيق الشرف" ليست سوى تكنيك سياسي للتلاعب بالعقول، وتجميل واقع مشوّه، وإعادة تدوير وجوه ارتبطت تاريخيًا بالفشل.