في خضم التحولات السياسية المعقدة التي تشهدها الجنوب، طرأت مسألة "الشراكة" بين المجلس الانتقالي الجنوبي والسلطة الشرعية اليمنية، كحدث جلل يتطلب فحصاً معمقاً يتجاوز اهدافها المعلنة. فالأهداف المعلنة لهذه الشراكة، والتي طالما تم تقديمها على أنها خطوة نحو الاستقرار والتوافق والتصدي لمليشيا الحوثي، ليست سوى ستار يخفي وراءه أهدافاً حقيقية ودقيقة، تستهدف إرادة الشعب الجنوبي وقضيته الوطنية، وتخدم مخططات دولية ذات أبعاد يياسية خفية وخطيرة.
فمنذ سنوات طويلة، تمحور ما يدور في الجنوب حول هدف دولي واضح يتمثل في إخراج الشعب الجنوبي باي شكل من الاشكال في مظاهرات سلمية ضد الحكومة. وهذا الهدف ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة لتخطيط دقيق وممنهج، حيث تم افتعال الأزمات الاقتصادية والخدمية الخانقة التي عانى منها الشعب الجنوبي على مدى عقد من الزمان بهدف دفعه إلى حافة الهاوية، وإجباره من خلف ذلك على الخروج في مظاهرات سلمية للمطالبة بمعالجتها وحلحلتها وتحسين اوضاعه المعيشية والخدمية المتردية والغاية الدولية من وراء ذلك بسيطة ووحشية ايضا: فبمجرد خروج الشعب الجنوبي في مظاهرات سلمية تحت وطأة هذه الأزمات المفتعلة، فإن ذلك يعني بالنسبة لتلك القوى الدولية أن الشعب الجنوبي يكون قد "ركع" واعلن استسلامه من حيث لا يشعر، وأصبح عند هذا المستوى في وضع نفسي واقتصادي ومعيشي يجعله مستعداً للقبول بأي خيار سياسي يتعارض مع تطلعاته المشروعة في الاستقلال واستعادة دولته، سيتم طرحه عندئذٍ على اعتبار انه الحل الامثل لمعالجة تلك الأزمات الاقتصادية والمعيشية والخدمية التي تم افتعالها له أصلاً بغرض تحقيق هذه الغاية.
ولكن، خلال السنوات التي سبقت قيام هذه "الشراكة"، أظهر الشعب الجنوبي صموداً لافتاً، ورفضاً قاطعاً للخروج في مظاهرات سلمية ضد الحكومة، على الرغم من قسوة الضغوط الخدمية والمعيشية التي مورست عليه.على نحو فاجأ تلك القوى الدولية،وجعلها تعتقد أن السبب الرئيسي لتمسك الشعب الجنوبي بمواقفه الرافضة للخروج في مظاهرات سلمية ضد الحكومة يعود إلى أنه يراهن على المجلس الانتقالي الجنوبي، كحصن له، وكمدافع عنه أمام حكومة الشرعية، قبل أن يدخل هذا المجلس في شراكة معها. أي أن هذه القوى الدولية فسرت رفض الشعب الجنوبي للخروج في مظاهرات سلمية، رغم الأزمات القاسية المفتعلة، بأنه نابع من ثقته في المجلس الانتقالي، الذي فوضه بتمثيله وحمايته والتصدي للحكومة نيابة عنه اي ان الشعب الجنوبي من وجهة نظر تلك القوى الدولية لن يخرج في مطاهرات سلمية ضد الحكومة طالما ان هناك كيان جنوبي وعسكري وسياسي قوي يمثله ويعبر عنه ويفترض ان يحميه ويقوم بالمهمة نيابة عنه ضد الحكومة طالما انه ليس طرفا او شريكا معها في المسؤلية وفي الحكم والسلطة..
ونتيجة لهذا الاعتقاد، قررت تلك القوى الدولية تغيير استراتيجيتها، ومحاولة القضاء على السبب الذي اعتقدت أنه يحول دون تحقيق هدفها الرئيسي هذا من وراء تلك الازمات والضغوط المعيشية والاقتصادية والخدمية المفتعلة. فما كان منها إلا أن مهدت لقيام "الشراكة" بين المجلس الانتقالي الجنوبي والشرعية، بحيث يصبح المجلس الانتقالي، بوعي منه او بغير وعي، طرفاً وشريكاً مع الشرعية في المسؤولية عن تلك الأزمات التي يعاني منها الشعب. وبهذه الطريقة، يتوحد الهدف أمام الشعب الجنوبي؛ بحيث لم يعد الخيار أمام الشعب سوى الخروج في مظاهرات، سواء ضد الشرعية، أو ضد المجلس الانتقالي، أو ضدهما معاً. لان فما يهم تلك القوى الدولية ليس ضد أي طرف يخرج الشعب في مظاهرات سلمية، بل يهمها فقط أن يخرج الشعب، وأن "يركع" أمام واقع الأزمات المفتعلة، وبذلك تتحقق أهدافها الخفية التي تتناقض مع إرادة الشعب الجنوبي في تقرير مصيره واستعادة دولته.فهذا المخطط الدولي، الذي يتخفى خلف واجهة الشراكة، يسعى إلى تفتيت الإرادة الشعبية والوطنية، وإضعاف القضية الجنوبية، وجعل الشعب الجنوبي رهينة للأزمات المفتعلة، بما يخدم أجندات خارجية لا تمت لمصالح الجنوب بصلة.