لعل حلم الرئيس نواف سلام هو ذاته حلم الرئيس فؤاد السنيورة: أن يتعامل معه الأميركيون والعرب على أنه الرجل الذي قهر "حزب الله". في هذه الحال، ماذا يقول التاريخ في رجل حاول أن يقهر من قال فيهم الكاتب الإسرائيلي البارز ديفيد غروسمان غداة حرب تموز 2006: "أولئك الرجال الذين قهروا القوة التي لا تقهر"، مشيراً إلى تلك الأيام التي يمكن أن تغيّر الشرق الأوسط، وبعدما تحدث إلى إحدى الشاشات عن اليوم "الذي بكت فيه الميركافا" في وادي الحجير.
باعتبار أن الأحداث أظهرت أن المستقبل في المنطقة لأميركا وإسرائيل - والإقامة في السراي توحي بالكثير - من البديهي أن يراهن سياسي طموح على المستقبل لا على الماضي. رئيس حكومتنا لا يشبه بشيء ابن عمه تمام سلام الذي اشتهر بدماثته، وإدراكه لمقتضيات الروح اللبنانية، وزغرد له جيرانه الشيعة حين تولى رئاسة الحكومة. الآن، البيت الأبيض هو من يقود التاريخ في العالم، وبطبيعة الحال في الشرق الأوسط، لنستعيد ما قاله فيلسوف التاريخ البريطاني آرنولد توينبي حول حيرته ما إذا كان التاريخ هو الذي يمتطي ظهر الشيطان أم أن الشيطان هو الذي يمتطي ظهره.
لا داعي لكي نلعب، دونكيشوتياً أو مكيافيلياً، وراء الزجاج. غالبية لوردات الطوائف ليسوا فقط مع إزالة سلاح "حزب الله" كون "قوة لبنان في ضعفه"، وإنما مع إزالة الحزب والالتحاق بدومينو التطبيع. تالياً، إخراج طائفة أساسية من المعادلة اللبنانية، باعتبارها حالة طارئة على لبنان، وعلى المنطقة.
لا شك أنه جيء بالقاضي نواف سلام إلى رئاسة الحكومة، بذلك الانقلاب الليلي على الرئيس نجيب ميقاتي، في إطار خطة لإنهاء "حزب الله". المهمة أكثر من خطيرة في بلد يعاني من التصدع السياسي والتصدع الطائفي. لكن من أوكلوا إليه المهمة وجعلوه يشعر بأنه أكثر تأثيراً في صناعة السياسات من رئيس الجمهورية، بحسب قول وزير سابق من الثنائي، يريدون إحباط أي محاولة من الطائفة الشيعية للدخول (من الباب) إلى المعادلة اللبنانية، وهي الطائفة التي لا تتمثل مثل الطوائف الأخرى، لا بالتغطية الإقليمية ولا بالتغطية الدولية، خصوصاً بعد الانكفاء الجيوسياسي الإيراني من المنطقة.
النتيجة وضع الطائفة أمام خيار البقاء وعدم البقاء. حتى أن نائباً في حزب مسيحي هدد "حزب الله" بأحمد الشرع من الشمال وبنيامين نتنياهو من الجنوب (وتصوروا). ولكن ألا ينذر ذلك بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وهذا ما تسعى إليه إسرائيل منذ رسائل دافيد بن غوريون وموشي شاريت في بدايات الخمسينات من القرن الماضي.
لبنان أمام احتمالات زلزالية بعد غزة. دونالد ترامب آت إلينا إما بإطلاق العنان لبنيامين نتنياهو ليفعل بلبنان ما فعله في غزة، أو للدخول في "اتفاقات أبراهام"، والقبول بالدولة اللبنانية المنزوعة السلاح، كما سوريا تحديداً، ليكون لاس فيغاس أو بيفرلي هيلز. خطة ترامب لإنقاذ الفلسطينيين أم لإنقاذ الإسرائيليين، بعد التحول المثير في الرأي العام العالمي، بما فيه الرأي العام الغربي، وانعكاساته المحتملة على الحكومات، وبعدما لاحظنا الإقبال على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ماذا عن إنقاذ اللبنانيين، وحيث لا يزال هناك من يسعى إلى التفجير الداخلي الذي يفترض أن يتقاطع، حتى على المستوى الاستراتيجي، مع التفجير الخارجي، ما دام هناك، وحتى داخل جلسة مجلس الوزراء، من لا يزال يواصل التأجيج الغرائزي، كما لو أن لبنان لم يكن مركز الإشعاع في العالم العربي، ولتنحصر مهمة رئيس الحكومة في استنفار الأجهزة القضائية والأمنية للقبض على شابين حاولا غزو بيروت.
الوجه البشع هنا من الأزمة المصطنعة، بكل تفاصيلها، هو في إظهار بيروت بمظهر "الغيتو الطائفي"، مع أن أهميتها التاريخية والحضارية في كونها مدينة التفاعل بين كل الطوائف، وبين كل الثقافات اللبنانية، وقد كانت قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 ملاذ الساسة والأدباء العرب، حتى أن بدر شاكر السياب تحدث عن "ذلك الفردوس الذي تتنشق فيه رائحة الله".
الرئيس سلام يدرك خطورة اللعبة الخارجية، وكذلك خطورة اللعبة الداخلية، ليكون المايسترو الذي يضبط الإيقاع لا الذي يفجر الإيقاع. لا سبيل إلا للتفاهم مع "حزب الله"، وهو جاهز لذلك، وأجواء اللقاءات بين الرئيس جوزف عون والحاج محمد رعد تعكس هذا المناخ. هل المطلوب من الحزب، يا دولة الرئيس، أن يرفع الراية البيضاء، وأن يترك الأرض للمغول الجدد؟!