ثم الصواريخ النووية ضد إيران

2025-11-13 07:42

 

ماذا يفترض بالرئيس جوزف عون أن يفعل لكي يستقبله البيت الأبيض كما استُقبل الرئيس أحمد الشرع؟ أن يسلّم لبنان جثة هامدة إلى بنيامين نتنياهو. مشكلتنا أننا حين نسأل أين سوريا الآن، لا بد أن نسأل أين لبنان الآن؟ الأمريكيون يأتوننا ليفتشوا حتى في جدران القصر (السراي لا يعنيهم) عن أي أثر لـ"حزب الله" الذي لا ندري لماذا يشكل ذلك الهَاجِس الاستراتيجي لأعظم إمبراطورية في التاريخ. لم تعد الصين، بإمكاناتها الاقتصادية والعسكرية الأسطورية، ولا روسيا، بالترسانة النووية الهائلة، الهَاجِس. "حزب الله" هو وحده الذي يهز أعصاب الإمبراطورية.

 

حقاً لماذا كل ذلك العداء لـ"حزب الله"، وقد فاوض الأمريكيون "الفيت كونغ" بالرغم من أنهم قتلوا نحو 60000 ضابط وجندي أميركي، وأسقطوا نحو 10000 طائرة، بينها القاذفات العملاقة بي-52، كما فاوضوا "طالبان" التي جعلتهم، وبعد 20 عاماً من القتال الذي استخدمت فيه "أم القنابل"، يفرون مثل القطط المذعورة تحت عيون تلك الصخور البشرية. لماذا لا يفعلون ذلك مع "حزب الله" الذي وجد لاجتثاث الاحتلال من الجنوب اللبناني لا لاحتلال الجنوب الأميركي، وقد بقي على الأرض لأنه يدرك إلى أي مدى يمكن للوثقة التوراتية أن تقود العقل السياسي، والعقل العسكري، في إسرائيل.

 

وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى أن زيارة الشرع إلى واشنطن هي من أجل إعداد صفقة لدخول سوريا في "اتفاقيات أبراهام"، ما يعني جرّ لبنان، وجرّ العراق، وبالضرورة دول عربية أخرى، للالتحاق بقافلة الحج إلى الهيكل، بعدما بات واضحاً أن الهيكل، لا الكعبة، بات وجهة الصلاة، ولكن بعد تعرية تلك البلدان من كل عوامل القوة، ليعمّ السلام التوراتي في المنطقة. هياكل عظمية في حضرة الحاخامات.

 

ولكن أليس من الغباء التعامل مع سوريا لكأنها في حقيبة أحمد الشرع، ولطالما كانت الابنة الكبرى للتاريخ، أو التعامل مع لبنان على أنه قصاصات بشرية وطائفية متناثرة، بوجود من هو مستعد للدفاع عن الأرض وعن عنفوانها حتى نقطة الدم الأخيرة. للتذكير فقط كيف انتهى مناحيم بيغن، وبعد التجربة المريرة في لبنان، داخل بطانية الصوف كما المصاب بالجذام، وكيف انتهى آرييل شارون في الغيبوبة الصغرى قبل الانتقال إلى الغيبوبة الكبرى. إيهود باراك قال في الجنوب اللبناني إنه أقصر الطرق إلى جهنم.

 

يفترض أن نذكّر الرئيس الشرع، العائد متوجاً من الحاضرة الإمبراطورية، أن سوريا، المثقلة بالآلام الآن، هي الدولة العصية على كل الضغوط الإمبراطورية أو القبلية التي تعرضت لها على مدى العقود الماضية، حتى أن الرئيس الراحل حافظ الأسد استطاع إقناع إسحاق رابين، الذي هو من احتل مرتفعات الجولان في حرب حزيران 1967، بالانسحاب منها، ليبقى الخلاف على ضفاف بحيرة طبريا، قبل أن تستقر رصاصة ييغال عامير، باسم "الشريعة اليهودية"، في رأس رابين باعتباره "الخائن الذي يريد أن يبيع إسرائيل للرئيس السوري".

 

آنذاك قال محمد حسنين هيكل إن الأسد كان يتكلم كناطق باسم التاريخ (وحتى الجغرافيا)، أما رابين فكان يعلم أنه مثل إسرائيل طارئ على التاريخ وعلى الجغرافيا.

 

نعلم مدى الضغوط التي يتعرض لها العماد عون الذي يتطلع إلى بناء الدولة ـ الدولة لا إلى الدولة ـ المغارة. وهذا هو المستحيل في بلد قام على فلسفة الفساد. ولا ندري ما هو تعليقه حين رأى نظيره السوري، الخارج للتو من الكهوف، في البيت الأبيض، لكنه يعلم أن الورقة الوحيدة التي بيد لبنان في أي مسار تفاوضي هي الصمود، ولا يمكنه القبول بأن يُساق لبنان بالعصا إلى الحظيرة الإسرائيلية، مع إدراكنا أن كل المنطقة تدور داخل الزمن الأميركي. المشكلة في سوقنا إلى الهيكل عراة حتى من أظافرنا.

 

لا ندري بماذا عاد الرئيس السوري من زيارته "التاريخية". ولكنه لا بد أن يصغى بدقة إلى شروط دونالد ترامب وإلى نظرته للسلام بين دمشق وتل أبيب، مروراً ببيروت وتل أبيب، باعتبار أن سوريا هي الوصية الأولى على لبنان الذي يقتضي أن يسلك الطريق الذي تسلكه سوريا إلى أورشليم، وإلا الخيارات التي لا تخطر في بال. إلى كم عود ثقاب يحتاج لبنان لكي يشتعل وسط ذلك التأجيج الغرائزي الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء؟

 

السعوديون يشاهدون كيف يمسك رجب طيب أردوغان بكتفي أحمد الشرع ليلقي به بين يدي بنيامين نتنياهو الذي له نظرته التوراتية إلى سوريا، وحيث يقول إشعيا إن "دمشق تزول من بين المدن وتصبح ركاماً من الأنقاض".

 

من البداية وإسرائيل ترى في تقويض النظام في إيران الطريق إلى تغيير الشرق الأوسط. هيئة البث الإسرائيلية ذكرت، نقلاً عن أحد المسؤولين، أن الدولة العبرية "وضعت إسقاط النظام الإيراني هدفاً لها قبل نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب". هذا ما يثير مخاوف المؤرخ الإسرائيلي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد آفي شلايم من "الجنون النووي" في رأس أركان الائتلاف.

 

وكانت أبحاث صدرت عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، والذي يموله اللوبي اليهودي، قد ألمحت إلى أن القيادة الإسرائيلية ترى ألا بقاء للدولة العبرية إلا بتقويض نظام آيات الله في إيران. كيف؟ سنتيمترات قليلة جداً بين أصابع نتنياهو والأزرار التي تطلق الصواريخ النووية. لكن هذه الأبحاث بالذات لا تسأل عن أي شرق أوسط بعد تلك اللحظة، بل أين إسرائيل...؟