قوات سورية في البقاع... في لبنان
غريب أن يتبنى الرئيس دونالد ترامب قول الرئيس حافظ الأسد "وحدة المسار ووحدة المصير" أو "شعب واحد في دولتين". متى كان هناك شعب واحد في لبنان، وشعب واحد في سوريا؟ فقاعات قومية أو قبلية لا أكثر. شعوب عبر الأزمنة. لا، لا... طوائف عبر الأزمان. هل ذُبح العلويون، أو ذبح الدروز لأنهم شعب آخر أم لأنهم طائفة أخرى؟ هذه المرة وحدة المسار والمصير في اتجاه إسرائيل لا في الاتجاه المضاد لإسرائيل. لا حاجة لدبابات إيال زامير لدخول الإسرائيليين إلى دمشق أو إلى بيروت. كثيرة هي الأكتاف وكثيرة هي الظهور الجاهزة لحملهم.
ماذا إن علمتم أن زعيماً لبنانياً بعث برسالة إلى أحمد الشرع مفادها أن خلاص لبنان وتخلّصه من "حزب الله" يكون بدخول قواته إلى لبنان، لأن سوريي هذه الأيام ليسوا كسوريي الأيام الماضية. الآن أشقاؤنا، وإن بوجوه غريبة وبِلغات غريبة، هم الإخوة في الدين أكانوا من الإيغور أم من الأوزبك أم من الشيشان. ألم يقل علي الطنطاوي، البلبل السابق للإخوان المسلمين على الأثير السوري: "إن أبعد مسلم في إندونيسيا أقرب إليّ من المسيحي الذي يفصل بيني وبينه حائط من طين"؟
هذا هو الإسلام الكوني الذي أتى به الرسول العربي، ليتحوّل، بأيدي أولياء الأمر، إلى إله الطوائف. ذكر فيليب حتي أن عرب جنوب شبه الجزيرة هم الذين دعوا العبرانيين القدامى إلى إخراج إلههم من الكهف الذي يرشق منه السابلة بالحجارة، وتحويله من إله قبلي إلى إله كوني. ولكن ليعود، بيد الحاخامات وباعة الأزمنة، إلى الكهف، لكن ليرشق السابلة بالقنابل.
تلويح توم براك (هل يقبل أقرباؤه في زحلة ذلك؟) بإلحاق لبنان ببلاد الشام (ليتها لا تزال بلاد الشام!) ليس هفوة فرويدية، ولا لحظة دبلوماسية، إنها لحظة العهر الدبلوماسي. الفرنسيون حذروا من أن الماضي المرير قد يتكرر ولكن بطريقة تورياء بورا وبرغبة من بعض بارونات الطوائف. دخول قوات سورية إلى شرق وشمال البقاع، وانتشارها الأبدي هناك حيث يفترض أن تكون صوامع ومصانع "حزب الله"، وقد بدأ الأتراك، وكالعادة بدبلوماسية الثعبان وباستراتيجية الثعبان، بإعداد وحدات عسكرية في الجيش المستحدث وبالأسلحة الملائمة، وبعدما تم إبلاغ تل أبيب أن هذه الوحدات لن تدخل قطّاً إلى الجنوب السوري، كما لن تتوجه إلى الشرق حيث "قوات سوريا الديمقراطية"، بعدما تمكنت الولايات المتحدة من بلورة اتفاق بُشرت به الخطوات الأولى والأساسية لتنفيذه.
إذن قوات سورية إلى مناطق محددة في لبنان. ولكن عندما تكون قوات مرهف أبو قصرة في الهرمل وبعلبك وعرسال ودير الأحمر، ألا تكون في بيروت وطرابلس وجونية وجبيل، وصولاً إلى نهر الليطاني؟ الجميع يخافون من إسرائيل، والكل في خدمة إسرائيل. من هي الدولة العربية التي خارج الحرملك؟
من الممكن أن يمهّد نتنياهو لذلك بمحاولة تقدم في الجنوب، وتنفيذ غارات صاعقة على الضاحية لإرباك قيادة "حزب الله" واستهداف قادته، وهو الذي يلاحقه هاجس الزنزانة وطبق الحساء. لن يبحث عن الذريعة كما كان يفعل إيهود أولمرت عام 2006. كل الذرائع أمامه، وبدعم من الداخل اللبناني والداخل العربي، ونحن نقرأ ما نقرأ ونرى ما نرى في بعض الصحف والشاشات العربية. القضاء على "حزب الله" كآخر قوة تعوق مسار القافلة.
لكن لبنان غير غزة. أي حرب لا تصل إلى حل. دوران داخل دوامة الدم، لتبقى الزنزانة أو المقبرة في الانتظار، فيما تخشى أميركا هذه المرة أن تكون أي حرب جديدة مختلفة عن الحرب السابقة، في ضوء معلومات استخباراتية حول إمكانية امتداد الحريق في أرجاء الشرق الأوسط. لا رد على مجانين واشنطن ومجانين أورشليم إلا بالجنون. ليكن...